للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ صغر سِنِّهَا وَأَوَّل شَبِيبَتِهَا، فَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ.

قُلْتُ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَظَرٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا تَدُلُّ قِصَّةُ عَائِشَةَ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْغَيْرَى لَا تُؤَاخَذُ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْغَيْرَةَ هُنَا جُزْءُ سَبَبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ اجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ الْغَيْرَةُ وَصِغَرُ السِّنِّ وَالْإِدْلَالُ، قَالَ فَإِحَالَةُ الصَّفْحِ عَنْهَا عَلَى الْغَيْرَةِ وَحْدَهَا تَحَكُّمٌ، نَعَمُ الْحَامِلُ لَهَا عَلَى مَا قَالَتِ الْغَيْرَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي نَصَّتْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا: فَغِرْتُ وَأَمَّا الصَّفْحُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْغَيْرَةِ وَحْدَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنَ الشَّبَابِ وَالْإِدْلَالِ. قُلْتُ: الْغَيْرَةُ مُحَقَّقَةٌ بِتَنْصِيصِهَا، وَالشَّبَابُ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ زَمَنِ الْبُلُوغِ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَقَعَ فِي أَوَائِلِ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ. وَأَمَّا إِدْلَالُ الْمَحَبَّةِ فَلَيْسَ مُوجِبًا لِلصَّفْحِ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الْغَيْرَةِ فَإِنَّمَا يَقَعُ الصَّفْحُ بِهَا لِأَنَّ مَنْ يَحْصُلُ لَهَا الْغَيْرَةُ لَا تَكُونُ فِي كَمَالِ عَقْلِهَا، فَلِهَذَا تَصْدُرُ مِنْهَا أُمُورٌ لَا تَصْدُرُ مِنْهَا فِي حَالِ عَدَمِ الْغَيْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢٣ - بَاب ذِكْرُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ

٣٨٢٥ - وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. قَالَ: وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ: لَا أُرَاهُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ) أَيِ ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهِيَ وَالِدَةُ مُعَاوِيَةَ، قُتِلَ أَبُوهَا بِبَدْرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي، وَشَهِدَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ أُحُدًا، وَحَرَّضَتْ عَلَى قَتْلِ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ لِكَوْنِهِ قَتَلَ عَمَّهَا شَيْبَةَ وَشَرَكَ فِي قَتْلِ أَبِيهَا عُتْبَةَ، فَقَتَلَهُ وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَحْشِيٍّ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدُ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَتْ مِنْ عُقَلَاءِ النِّسَاءِ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي قِصَّةٍ جَرَتْ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ فَأَنْتَجَتْ عِنْدَهُ، وَهِيَ الْقَائِلَةُ لِلنَّبِيِّ لَمَّا شَرَطَ عَلَى النِّسَاءِ الْمُبَايَعَةَ وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ وَمَاتَتْ هِنْدُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدَانَ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ، وَكَلَامُ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ مَوْصُولًا عَنْ عَبْدَانَ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُوَجِّهِ، عَنْ عَبْدَانَ.

قَوْلُهُ: (خِبَاءٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ مَعَ الْمَدِّ هِيَ خَيْمَةٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْبَيْتِ كَيْفَ مَا كَانَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: فِيهِ تَصْدِيقٌ لَهَا فِيمَا ذَكَرَتْهُ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَأَنَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكِ مِثْلُ ذَلِكَ. وتُعُقِّبَ مِنْ جِهَةِ طَرَفَيِ الْبُغْضِ وَالْحُبِّ، فَقَدْ كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ كَانَ أَشَدَّ أَذًى لِلنَّبِيِّ مِنْ هِنْدَ وَأَهْلِهَا، وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَى النَّبِيِّ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِهَا، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَأَيْضًا سَتَزِيدِينَ فِي الْمَحَبَّةِ كُلَّمَا تَمَكَّنَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِكِ وَتَرْجِعِينَ عَنِ الْبُغْضِ الْمَذْكُورِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، فَأَيْضًا خَاصٌّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا: إنِّي كُنْتُ فِي حَقِّكِ كَمَا