للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَيْمُونَةَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ.

قَوْلُهُ في حديث ميمونة: (أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، وَبُكَيْرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، وَنِصْفُ إِسْنَادِهِ الْأَوَّلُ مِصْرِيُّونَ، وَالْآخِرُ مَدَنِيُّونَ، وَقَوْلُهُ: بِحِلَابٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ اللَّبَنُ، وَقِيلَ: الْحِلَابُ: اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَبَنٌ.

(تَنْبِيهٌ): رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ بِثَلَاثَةِ أَسَانِيدَ: أَحَدُهَا: عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ، وَالثَّانِي: عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ شَيْخِ مَالِكٍ فِيهِ بِهِ، وَالثَّالِثُ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ بِهِ، وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى أَحَدِ أَسَانِيدِهِ اكْتِفَاءً بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ.

وَاسْتَدَلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ إِذْ قَدْ يَتْرُكُ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَبَّ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ لِمَصْلَحَةِ التَّبْلِيغِ، نَعَمْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ السَّلَفِ، فَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: يَجِبُ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ، وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَائِشَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ يُعْجِبُ الْحَسَنَ وَيَحْكِيهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَنْ قَتَادَةَ مَذْهَبٌ آخَرُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَضْعُفْ عَنِ الدُّعَاءِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَالْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ، حَتَّى قَالَ عَطَاءٌ: مَنْ أَفْطَرَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الذِّكْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِعَرَفَةَ لِيَدُلَّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجِّ بِمَكَّةَ لِكَيْلا يَضْعُفَ عَنِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا أَفْطَرَ لِمُوَافَقَتِهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ، وَيُبْعِدُهُ سِيَاقُ أَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ

عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ.

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْعِيَانَ أَقْطَعُ لِلْحُجَّةِ، وَأَنَّهُ فَوْقَ الْخَبَرِ، وَأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي الْمَحَافِلِ مُبَاحٌ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِيهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ مِنْهَا هَلْ هُوَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَوْ لَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُشَاحَحةُ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ احْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ . وَفِيهِ تَأَسِّي النَّاسِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ . وَفِيهِ الْبَحْثُ وَالِاجْتِهَادُ فِي حَيَاتِهِ ، وَالْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْمِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالتَّحَيُّلُ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ سُؤَالٍ. وَفِيهِ فَطِنَةُ أُمِّ الْفَضْلِ لِاسْتِكْشَافِهَا عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ اللَّطِيفَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمِ حَرٍّ بَعْدَ الظَّهِيرَةِ، قَالَ ابنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَاوَلَ فَضْلَهُ أَحَدًا، فَلَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَسْأَلَةُ التَّمْلِيكِ الْمُقَيَّدِ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: فَشَرِبَ مِنْهُ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرْبَهُ مِنْهُ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَعَلَّ اسْتِبْقَاءَهُ لِمَا فِي الْقَدَحِ كَانَ قَصْدًا لِإِطَالَةِ زَمَنِ الشُّرْبِ حَتَّى يَعُمَّ نَظَرُ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْبَيَانِ.

وَفِيهِ الرُّكُوبُ فِي حَالِ الْوُقُوفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَتَرْجَمَ لَهُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ فِي الشُّرْبِ فِي الْقَدَحِ وَشُرْبِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَعِيرِ.

٦٦ - بَاب صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ

١٩٩٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ