للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَيْلَتَهُ فَيَسْتَرِيحُ. فِي إِسْنَادِهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ.

وَقِيلَ: إِنَّ فَائِدَتَهَا الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا اخْتِصَاصَ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِكُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَصْلُ مِنْ مَشْيٍ وَكَلَامٍ وَغَيْرِهِ، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الْفَصْلَ بِالْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يَكْفِي، وَأَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: يَجِبُ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَجَعَلَهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ حَتَّى طَعَنَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِتَفَرُّدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهِ، وَفِي حِفْظِهِ مَقَالٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَصْلُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَيْمَنِ، وَمَنْ أَطْلَقَ قَالَ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَادِرِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَهَلْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ أَوْ يُومِئُ بِالِاضْطِجَاعِ أَوْ يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ قَالَ: يُومِئُ وَلَا يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ أَصْلًا، وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى النَّدْبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي الْبَيْتِ دُونَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوَّاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَفْعَلُهُ فِي الْمَسْجِدِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

قَوْلُهُ: (كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) وَسَنَذْكُرُ مُسْتَنَدَ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ إِذَا لَمْ يُحَدِّثْهَا، وَإِذَا حَدَّثَهَا لَمْ يَضْطَجِعْ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ: الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. وَيُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ اضْطَجَعَ، فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً نَامَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثَهَا، وإِمَّا أَنْ يَنَامَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا نَامَ: أَيِ اضْطَجَعَ، وَبَيَّنَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِلَفْظِ: فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يُؤَذَّنَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: حَتَّى نُودِيَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ الضِّجْعَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ رُبَّمَا تَرَكَهَا عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، بَلْ تَرْكُهُ لَهَا أَحْيَانًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ.

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ أَبْوَابِ الْوِتْرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ وَقَعَ بَعْدَ الْوِتْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَوْمُهُ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَمْ يَضْطَجِعْ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ اضْطَجَعَ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَقَدْ خَالَفَهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَلَمْ يُصِبْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢٥ (١) - بَاب الْحَدِيثِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ

١١٦٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ


(١) الباب رقم ٢٥ وأحاديثه الستة بأرقام ١١٦٧، ١١٦٦، ١١٦٥، ١١٦٤، ١١٦٣، ١١٦٢ تأتي في ص ٤٨ - ٤٩ بعد الانتهاء من شرح الحديث رقم ١١٧١ وسينبه الشارح على ذلك هناك.