الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى غَسْلِ الْبَوْلِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِخْدَامِ الْأَحْرَارِ - خُصُوصًا إِذَا أُرْصِدُوا لِذَلِكَ - لِيَحْصُلَ لَهُمُ التَّمَرُّنُ عَلَى التَّوَاضُعِ. وَفِيهِ أَنَّ فِي خِدْمَةِ الْعَالِمِ شَرَفًا لِلْمُتَعَلِّمِ ; لِكَوْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَدَحَ ابْنَ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ. وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ حَيْثُ مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْمَدِينَةِ كَانَ عَذْبًا. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّوَضُّؤِ مِنَ الْأَوَانِي دُونَ الْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا لَوْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَجَدَ الْأَنْهَارَ وَالْبِرَكَ فَعَدَلَ عَنْهَا إِلَى الْأَوَانِي.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ النَّضْرُ) أَيِ: ابْنُ شُمَيْلٍ، تَابَعَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَشَاذَانُ) أَيِ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي لِتَوَافُقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى ذِكْرِ الْعَنَزَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَمِيعُ الرُّوَاةِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بَصْرِيُّونَ.
١٨ - بَاب النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ
١٥٣ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ.
[الحديث ١٥٣ طرفاه في: ٥٦٣٠، ١٥٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ) أَيْ: بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَعَبَّرَ بِالنَّهْيِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ أَنَّ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ، وَهِيَ أَنَّ ذَلِكَ أَدَبٌ مِنَ الْآدَابِ، وَبِكَوْنِهِ لِلتَّنْزِيهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُشْعِرُ بِهِ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: مُرَادُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ أَيْ: لَا يَكُونُ مُبَاحًا يَسْتَوِي طَرَفَاهُ، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ رَاجِحُ التَّرْكِ، وَمَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ فَمَنْ فَعَلَهُ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: لَا يُجْزِئُ، وَمَحَلُّ هَذَا الِاخْتِلَافِ حَيْثُ كَانَتِ الْيَدُ تُبَاشِرُ ذَلِكَ بِآلَةٍ غَيْرِهَا كَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ، أَمَّا بِغَيْرِ آلَةٍ فَحَرَامٌ غَيْرُ مُجْزِئٍ بِلَا خِلَافٍ، وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ كَالْيُمْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ.
قَوْلُهُ: (هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ) أَيْ: ابْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَا ابْنُ حَسَّانٍ، وَهُمَا بَصْرِيَّانِ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثَ وَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ النُّعْمَانُ الْأَنْصَارِيُّ، فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَنَفَّسْ) بِالْجَزْمِ وَلَا نَاهِيَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ، وَرُوِيَ بِالضَّمِّ فِيهَا عَلَى أَنَّ لَا نَافِيَةٌ.
قَوْلُهُ: (فِي الْإِنَاءِ) أَيْ دَاخِلَهُ، وَأَمَّا إِذَا أَبَانَهُ وَتَنَفَّسَ فَهِيَ السُّنَّةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّأَدُّبِ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ، إِذْ قَدْ يَخْرُجُ مَعَ النَّفَسِ بُصَاقٌ أَوْ مُخَاطٌ أَوْ بُخَارٌ رَدِيءٌ فَيُكْسِبُهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً فَيَتَقَذَّرُ بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ شُرْبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ) أَيْ: فَبَالَ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَمَسَّحُ بِيَمِينِهِ) أَيْ: لَا يَسْتَنْجِ. وَقَدْ أَثَارَ الْخَطَّابِيُّ هُنَا بَحْثًا وَبَالَغَ فِي التَّبَجُّحِ بِهِ، وَحَكَى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَاظَرَ رَجُلًا مِنَ الْفُقَهَاءِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْيَاهُ جَوَابُهَا، ثُمَّ أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ بِجَوَابٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَمُحَصَّلُ الْإِيرَادِ أَنَّ الْمُسْتَجْمِرَ مَتَى اسْتَجْمَرَ بِيَسَارِهِ