للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا كَانَ وَاللَّهِ، فَقُصِّرَتِ اللَّامَانِ. وَاسْتَنْكَرَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا وَقَالَ: إِنَّهُ يَجْزِمُ الثِّقَةَ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ. وَغَفَلَ الْقَرَافِيُّ فَادَّعَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ: وَأَبِيهِ لَمْ تَصِحَّ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ الْجَوَابَ فَعَدَلَ إِلَى رَدِّ الْخَبَرِ، وهو صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَأَقْوَى الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلَانِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ قَوْلُهُ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْدُقْ فِيمَا الْتَزَمَ لَا يُفْلِحُ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْمَنْهِيَّاتِ؟ أَجَابَ ابْنُ بَطَّالٍ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ وُرُودِ فَرَائِضِ النَّهْيِ، وهو عَجِيبٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّ السَّائِلَ ضِمَامٌ، وَأَقْدَمَ مَا قِيلَ فِيهِ: إِنَّهُ وَفَدَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ الْمَنْهِيَّاتِ وَاقِعًا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَالصَّوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: فَأَخْبَرَهُ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا فَلَاحُهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا بِأَنْ لَا يَزِيدَ فَكَيْفَ يَصِحُّ؟ أَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا أَتَى بِزَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُفْلِحًا ; لِأَنَّهُ إِذَا أَفْلَحَ بِالْوَاجِبِ فَفَلَاحُهُ بِالْمَنْدُوبِ مَعَ الْوَاجِبِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَقَرَّهُ عَلَى حَلِفِهِ وَقَدْ وَرَدَ النَّكِيرُ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ بِأَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى غَيْرِ تَارِكِ الْفَرَائِضِ، فَهُوَ مُفْلِحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ فَلَاحًا مِنْهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ صَدَرَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّصْدِيقِ وَالْقَبُولِ، أَيْ: قَبِلْتُ كَلَامَكَ قَبُولًا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّؤَالِ، وَلَا نُقْصَانَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْقَبُولِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ تَتَعَلَّقُ بِالْإِبْلَاغِ ; لِأَنَّهُ كَانَ وَافِدَ قَوْمِهِ لِيَتَعَلَّمَ وَيُعَلِّمَهُمْ. قُلْتُ: وَالِاحْتِمَالَانِ مَرْدُودَانِ بِرِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، فَإِنَّ نَصَّهَا: لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا:. وَقِيل: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ أَيْ: لَا أُغَيِّرُ صِفَةَ الْفَرْضِ كَمَنْ يَنْقُصُ الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَةً أَوْ يَزِيدُ الْمَغْرِبَ، قُلْتُ: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَفْظُ التَّطَوُّعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣٥ - بَاب اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنْ الْإِيمَانِ

٤٧ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفِيُّ قال: حدثنا رَوْحٌ قال: حدثنا عَوْفٌ، عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ قال: حدثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ نَحْوَهُ

[الحديث ٤٧ - طرفاه في: ١٣٢٥، ١٣٢٣]

قَوْلُهُ: (بَابُ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ مِنَ الْإِيمَانِ) خَتَمَ الْمُصَنِّفُ مُعْظَمَ التَّرَاجِمِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ أَحْوَالِ الدُّنْيَا. وَإِنَّمَا أَخَّرَ تَرْجَمَةَ أَدَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْإِيمَانِ لِمَعْنًى سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي نَظَائِرِهِ قَبْلُ.

قَوْلُهُ: (الْمَنْجُوفِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَبَعْدَ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ فَاءٌ نِسْبَةً إِلَى جَدِّ جَدِّهِ مَنْجُوفٍ السَّدُوسِيِّ، وهو بَصْرِيٌّ، وَكَذَا بَاقِي رِجَالِ الْإِسْنَادِ غَيْرَ الصَّحَابِيِّ. وَرَوْحٌ بِفَتْحِ