الْأَكْثَرِ أَيْضًا، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ الَّذِي أَصَابَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ.
قَوْلُهُ: (أَنْتَ أَصَبْتَنِي) فِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ يَتَسَبَّبُ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْنِ الْآمِرَ ذَلِكَ، لَكِنْ حَكَى الزُّبَيْرُ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ شَقَّ عَلَيْهِ فَأَمَرَ رَجُلًا مَعَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ: إِنَّهَا كَانَتْ مَسْمُومَةً فَلَصِقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِهِ فَأَمَرَّ الْحَرْبَةَ عَلَى قَدَمِهِ فَمَرِضَ مِنْهَا أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. فَعَلَى هَذَا فَفِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ فَقَطْ وَهُوَ كَثِيرٌ. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْمُهَلَّبِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَمَلْتَ السِّلَاحَ) أَيْ فَتَبِعَكَ أَصْحَابُكَ فِي حَمْلِهِ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: حَمَلْتَ أَيْ أَمَرْتَ بِحَمْلِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ) هَذَا مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ، وَهُوَ مُصَيَّرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كَانَ يُفْعَلُ كَذَا عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ يُحْكَمُ بِرَفْعِهِ.
قَوْلُهُ: (أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ) هَذَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَجَّاجِ، وَرِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الَّتِي قَبْلَهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ أَوِ السُّؤَالِ، فَلَعَلَّهُ عَرَّضَ بِهِ أَوَّلًا، فَلَمَّا أَعَادَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ صَرَّحَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ رِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ أَنَّ الْحَجَّاجَ دَخَلَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ يَعُودُهُ لَمَّا أُصِيبَتْ رِجْلُهُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ تَدْرِي مَنْ أَصَابَ رِجْلَكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ مَنْ أَصَابَكَ لَقَتَلْتُهُ. قَالَ: فَأَطْرَقَ ابْنُ عُمَرَ فَجَعَلَ لَا يُكَلِّمُهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَوَثَبَ كَالْمُغْضَبِ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَمْرٍ ثَالِثٍ كَأَنَّهُ عَرَّضَ بِهِ، ثُمَّ عَاوَدَهُ فَصَرَّحَ، ثُمَّ عَاوَدَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (يَعْنِي الْحَجَّاجَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَفَاعِلُهُ الْقَائِلُ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَ: لَوْ عَرَفْنَاهُ لَعَاقَبْنَاهُ قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ نَفَرُوا عَشِيَّةً وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَجَّاجِ عَارِضٌ حَرْبَتَهُ فَضَرَبَ ظَهْرَ قَدَمِ ابْنِ عُمَرَ، فَأَصْبَحَ وَهِنًا مِنْهَا حَتَّى مَاتَ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي الْأَطْرَافِ لِلْمِزِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنْ أَبِي السُّكَيْنِ، عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْهُ بِهِ. وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ سَعِيدٍ إِنما رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الصَّوَابِ.
١٠ - بَاب التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ
٩٦٨ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ، فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ: اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّبْكِيرِ لِلْعِيدِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْبُكُورِ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى شَارِحُوهُ وَمَنِ اسْتَخْرَجَ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ لِلْمُسْتَمْلِي التَّكْبِيرُ بِتَقْدِيمِ الْكَافِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ) يَعْنِي: الْمَازِنِيَّ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ، وَأَبُوهُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: (إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ) إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ