للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا نَصٌّ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، لَكِنِ اسْتَثْنَى عِيَاضٌ الْبُقْعَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ ، فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِقَاعِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْثِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ لِلْعَابِدِ. وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ سَبَبَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْحَصِرُ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهَا كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا نَقْلًا فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا يُحْتَجُّ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ فَضْلَهَا، أَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ أَفْضَلَ بَعْدَ مَكَّةَ مِنْهَا، فَقَدْ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَتَهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبَبُ تَفْضِيلِ الْبُقْعَةِ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْمَرْءَ يُدْفَنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا تُرَابُهُ عِنْدَمَا يُخْلَقُ. رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَاخِرِ تَمْهِيدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مَوْقُوفًا، وَعَلَى هَذَا فَقَدَ رَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَخَذَ التُّرَابَ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ النَّبِيُّ مِنْ تُرَابِ الْكَعْبَةِ، فَعَلَى هَذَا، فَالْبُقْعَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ مِنْ تُرَابِ الْكَعْبَةِ، فَيَرْجِعُ الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ إِلَى مَكَّةَ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي الْمَسْجِدَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْفَرَائِضِ لِقَوْلِهِ : أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مَانِعَ مِنْ إِبْقَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ، فَتَكُونُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهَا فِي الْبَيْتِ بِغَيْرِهِمَا، وَكَذَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ مُطْلَقًا. ثُمَّ إِنَّ التَّضْعِيفَ الْمَذْكُورَ يَرْجِعُ إِلَى الثَّوَابِ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى الْإِجْزَاءِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ صَلَاةً لَمْ تُجْزِهِ إِلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُقْرِي أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ فِي تَفْسِيرِهِ خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَسَبْتُ الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَبَلَغَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عُمُرَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. انْتَهَى. وَهَذَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّضْعِيفِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهَا تَزِيدُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْجَمَاعَةِ، لَكِنْ هَلْ يَجْتَمِعُ التَّضْعِيفَانِ أَوْ لَا؟ مَحَلُّ بَحْثٍ.

٢ - بَاب مَسْجِدِ قُبَاءٍ

١١٩١ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُصَلِّي مِنْ الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ. قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا.

[الحديث ١١٩١ - أطرافه في: ٧٣٢٦، ١١٩٤، ١١٩٣]

١١٩٢ - قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ، وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، غَيْرَ أَنْ لَا تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ) أَيْ فَضْلُهُ، وَقُبَاءٌ بِضَمِّ الْقَافِ، ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَمْدُودَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَنْكَرَ السُّكَّرِيُّ قَصْرَهُ، لَكِنْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُذَكِّرُهُ فَيَصْرِفُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَنِّثُهُ فَلَا