الطَّرِيقَيْنِ عَنْهُ حَيْثُ روى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ رَوَى عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَرِوَايَتَهُ عَنْ عَمِّهِ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ، وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ إِرَادَةِ الرِّفْقِ وَالتَّفْضِيلِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، وَسَأَذْكُرُ مَزِيدًا لِذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ خَدِيجٍ مَا هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّيَّ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ فَذَكَرَهُ.
١٩ - بَاب كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ مِنْ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ
٢٣٤٦، ٢٣٤٧ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ.
[الحديث ٢٣٤٧ - طرفه في: ٤٠١٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أُكْرِيَتْ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنْ كِرَائِهَا بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ.
وَبَالَغَ رَبِيعَةُ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إِلَّا بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ طَاوُسٌ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ وَقَوَّاهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي ذَلِكَ، وَحَدِيثُ الْبَابِ دَالٌّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ اتِّفَاقَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الْمَزَارِعِ يُكْرُونَهَا بِمَا يَكُونُ عَلَى الْمُسَاقِي مِنَ الزَّرْعِ، فَاخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُكْرُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ: أَكْرُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِكْرِمَةَ الْمَخْزُومِيَّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ خَرَاجِهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ فَقَدْ أَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ بِأَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَافِعٍ. قُلْتُ: وَرَاوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ فِي حِفْظِهِ مَقَالٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ عَنْ شَيْخِهِ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرِ الدَّرَاهِمَ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثِهِ: وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ