أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ يَعْنِي مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ حَنْظَلَةَ) فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ لَكِنْ لَيْسَ عِنْدَهُ ذِكْرُ عَمَّيْ رَافِعٍ، وَفِي الْإِسْنَادِ تَابِعِيٌّ عَنْ مِثْلِهِ وَصَحَابِيٌّ عَنْ مِثْلِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَمَّايَ) هُمَا ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَالْآخَرُ قَالَ الْكَلَابَاذِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ اسْمَهُ مُظَهِّرٌ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الظَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ الْمَكْسُورَةِ وَضَبَطَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ، وَابْنُ مَاكُولَا، هَكَذَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْمُبْهَمَاتِ، وَرَأَيْتُ فِي الصَّحَابَةِ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ وَلِأَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ قَالَ سَعِيدٌ: زَعَمَ قَتَادَةُ أَنَّ اسْمَهُ مُهَيْرٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُعْتَمَدَ وَهُوَ بِوَزْنِ أَخِيهِ ظُهَيْرٍ كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَثْنِيهِ) مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى اسْتِثْنَاءِ الثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ لِيُوَافِقَ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَافِعٌ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَالَهُ رَافِعٌ بِاجْتِهَادِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّنْصِيصِ عَلَى جَوَازِهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ بِمَا إِذَا كَانَ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَاسْتَنْبَطَ مِنْ ذَلِكَ جَوَازَ الْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيُرَجِّحُ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ، وَرَجُلٌ مَنَحَ أَرْضًا، وَرَجُلٌ اكْتَرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لَكِنْ بَيَّنَ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَأَنَّ بَقِيَّتَهُ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ وَكَانَ الَّذِي نَهَى من ذَلِكَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَنِ اللَّيْثِ وَهُوَ مُوصولٌ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ إِلَى اللَّيْثِ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ هُنَا: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ مِنْ هَاهُنَا قَالَ اللَّيْثُ: أُرَاهُ، وَسَقَطَ هَذَا النَّقْلُ عَنِ اللَّيْثِ عِنْدَ النَّسَفِيِّ، وَابْنِ شَبَّوَيْهِ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مَصَابِيحِ الْبَغَوِيِّ فَصَارَ مُدْرَجًا عِنْدَهُمَا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّسَفِيُّ وَلَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَقَدْ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ: لَمْ يَظْهَرْ لِي هَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ رَافِعٍ اهـ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ أَكْثَرِ الطُّرُقِ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ اللَّيْثِ، وَقَوْلُهُ: (ذو الْفَهْمِ) فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَابْنِ شَبَّوَيْهِ ذوو الْفَهْمِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ، وَقَالَا: لَمْ يُجْزِهِ. وَقَوْلُهُ: (الْمُخَاطَرَةِ) أَيِ الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ، وَكَلَامُ اللَّيْثِ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ حَمْلِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُفْضِي إِلَى الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ لَا عَنْ كِرَائِهَا مُطْلَقًا حَتَّى بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي جَوَازِ كِرَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ حَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَاضِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، حَيْثُ قَالَ: وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ وَمَنْ لَمْ يُجِزْ إِجَارَتَهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا قَالَ: النَّهْيُ عَنْ كِرَائِهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَاحِيَةً مِنْهَا أَوْ شَرَطَ مَا يَنْبُتُ عَلَى النَّهَرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ كِرَاؤُهَا بِالطَّعَامِ أَوِ التَّمْرِ لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُكْرَى بِهِ مِنَ الطَّعَامِ جُزْءًا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَمَّا إِذَا اكْتَرَاهَا بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّةِ الْمُكْتَرِي أَوْ بِطَعَامٍ حَاضِرٍ يَقْبِضُهُ الْمَالِكُ فَلَا مَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.