الْكَبَائِرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ صَغَائِرُ تُكَفَّرُ رُجِيَ لَهُ أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَإِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الثَّوَابِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ، وَهُوَ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرُوا) لَمْ يُسَمِّ طَاوُسٌ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، وَثَبَتَ ذِكْرُ الطِّيبِ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا) مَعْنَاهُ: اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا لِلْجَنَابَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا لِلْجُمُعَةِ. وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْجَنَابَةِ يُجْزِئُ عَنِ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ نَوَاهُ لِلْجُمُعَةِ أَمْ لَا، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ بُعْدٌ. نَعَمْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَهَذَا أَوْضَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لَكِنَّ رِوَايَةَ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَصَحُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَفِظْنَا الْإِجْزَاءَ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اهـ. وَالْخِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْتَشِرٌ فِي الْمَذَاهِبِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَطُلُوعُ الْفَجْرِ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْغُسْلُ التَّامُّ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ إِفَاضَةَ الْمَاءِ دُونَ حَلِّ الشَّعْرِ مَثَلًا يُجْزِئُ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالثَّانِي الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ.
قَوْلُهُ: (وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ الدُّهْنِ الْمُتَرْجَمُ بِهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْعَادَةُ تَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ بَعْدَ غَسْلِ الرَّأْسِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِهِ، كَذَا وَجَّهَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَوَابًا لِقَوْلِ الدَّاوُدِيِّ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنَّ حَدِيثَ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ ذَكَرَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ الدُّهْنَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الزُّهْرِيُّ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِإِيرَادِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَقِبَ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ مَا عَدَا الْغُسْلَ مِنَ الطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالسِّوَاكِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ هُوَ فِي التَّأَكُّدِ كَالْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ التَّرْغِيبُ وَرَدَ فِي الْجَمِيعِ، لَكِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ إِمَّا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ أَوْ بِتَأْكِيدِ بَعْضِ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى بَعْضِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي) هَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ السَّبَّاقِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ، وَصَالِحٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بِمَعْنَاهُ مُرْسَلًا، فَإِنْ كَانَ صَالِحٌ حَفِظَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا نَسِيَهُ أَوْ عَكْسَ ذَلِكَ، وَهِشَامٌ الْمَذْكُورُ فِي طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِيَةُ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ.
٧ - بَاب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ
٨٨٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute