آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ - أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا - فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا.
[الحديث ٤٥٨ - طرفاه في: ١٣٣٧، ٤٦٠]
قَوْلُهُ: (بَابُ كَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالْتِقَاطِ الْخِرَقَ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ) أَيْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) هُوَ الصَّائِغُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَوَهْمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَبُو رَافِعٍ الصَّحَابِيِّ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا رَافِعٍ الصَّحَابِيِّ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ) الشَّكُّ فِيهِ مِنْ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ هَكَذَا، أَوْ مِنْ أَبِي رَافِعٍ. وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: وَلَا أَرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: امْرَأَةً سَوْدَاءَ وَلَمْ يَشُكَّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَسَمَّاهَا أَمَّ مِحْجَنٍ، وَأَفَادَ أَنَّ الَّذِي أَجَابَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ سُؤَالِهِ عَنْهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ: خَرْقَاءَ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَوَقَعَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ بِدُونِ ذِكْرِ السَّنَدِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهَذَا اسْمُهَا وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مِحْجَنٍ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ) بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ أَيْ يَجْمَعُ الْقُمَامَةَ وَهِيَ الْكُنَاسَةُ. فَإِنْ قِيلَ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى كَنْسِ الْمَسْجِدِ فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ الْتِقَاطُ الْخِرَقِ وَمَا مَعَهُ؟ أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَالْجَامِعُ التَّنْظِيفُ.
قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِكُلِّ ذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ صَرِيحًا، فَفِي طَرِيقِ الْعَلَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ كَانَتْ مُولَعَةً بِلَقْطِ الْقَذَى مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْقَذَى بِالْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ: جَمْعُ قَذَاةٍ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَقَذِيَةٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْقَذَى فِي الْعَيْنِ وَالشَّرَابِ مَا يَسْقُطُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا. وَتَكَلَّفَ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ فَزَعَمَ أَنَّ حُكْمَ التَّرْجَمَةِ يُؤْخَذُ مِنْ إِتْيَانِ النَّبِيِّ ﷺ الْقَبْرَ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ.
قَوْلُهُ: (عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَالِهِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، أَيِ النَّاسَ.
قَوْلُهُ: (آذَنْتُمُونِي) بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمْتُمُونِي، زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ: قَالَ: فَحَقَّرُوا شَأْنَهُ، وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي طَرِيقِ الْعَلَاءِ: قَالُوا: مَاتَ مِنَ اللَّيْلِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، زَادَ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، وَهِيَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ، بَيَّنَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْمُدْرَجِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ، أَوْ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، يَعْنِي: كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ. وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَزَادَ بَعْدَهَا: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّ أَبِي - أَوْ أَخِي - مَاتَ أَوْ دُفِنَ فَصَلِّ عَلَيْهِ. قَالَ فَانْطَلَقَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ، وَالسُّؤَالِ عَنِ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ.
وَفِيهِ الْمُكَافَأَةُ بِالدُّعَاءِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي شُهُودِ جَنَائِزِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَنَدْبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ عِنْدَ قَبْرِهِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَالْإِعْلَامُ بِالْمَوْتِ.
٧٣ - بَاب تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ فِي الْمَسْجِدِ
٤٥٩ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتْ