١ - بَاب
٤٩٧١ - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهْ. فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ وَقَدْ تَبَّ هَكَذَا قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ. وَأَبُو لَهَبٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى. وَأُمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ. وَكُنِّيَ أَبَا لَهَبٍ إِمَّا بِابْنِهِ لَهَبٍ، وَإِمَّا بِشِدَّةِ حُمْرَةِ وَجْنَتِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ أَبَا لَهَبٍ لِأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ يَتَلَهَّبُ مِنْ حُسْنِهِ انْتَهَى.
وَوَافَقَ ذَلِكَ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ أَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ، وَلِكَوْنِهِ بِهَا أَشْهَرُ، وَلِأَنَّ فِي اسْمِهِ إِضَافَةً إِلَى الصَّنَمِ. وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ تَكْنِيَةِ الْمُشْرِكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ مَحَلُّ الْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ لَهُ أَوْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَاحَى أَبَا لَهَبٍ فَقَعَدَ أَبُو لَهَبٍ عَلَى صَدْرِ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخَذَ بِضَبْعَيْ أَبِي لَهَبٍ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: كِلَانَا عَمُّكَ، فَلِمَ فَعَلْتَ بِي هَذَا؟ وَاللَّهِ لَا يُحِبُّكَ قَلْبِي أَبَدًا. وَذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ: لَوْ عَضَّدْتَ ابْنَ أَخِيكَ لَكُنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ. وَلَقِيَهُ فَسَأَلَهُ عَمَّنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ دِينٍ، فَغَضِبَ، وَتَمَادَى عَلَى عَدَاوَتِهِ. وَمَاتَ أَبُو لَهَبٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا بَلْ أَرْسَلَ عَنْهُ بَدِيلًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى لِقُرَيْشٍ مَاتَ غَمًّا.
قَوْلُهُ: (وَتَبَّ: خَسِرَ. تَبَابٌ: خُسْرَانٌ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ قَالَ: يَقُولُ: خَسِرَ وَتَبَّ أَيْ خَسِرَ وَمَا كَسَبَ يَعْنِي وَلَدَهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ﴾ قَالَ: فِي هَلَكَةٍ.
قَوْلُهُ: (تَتْبِيبٍ: تَدْمِيرٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ أَيْ: تَدْمِيرٍ وَإِهْلَاكٍ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ مَعَ بَقِيَّةِ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفَوَائِدِهِ.
٢ - بَاب ﴿وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾
٤٩٧٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَنَادَى: يَا صَبَاحَاهْ. فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ إِلَى آخِرِهَا.