عِيَاضٌ: إِنَّمَا اغْتُفِرَتْ مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ - لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ - لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرَةُ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ، وَهِيَ لَا تَنْشَأُ إِلَّا عَنْ فَرْطِ الْمَحَبَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَضَبُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُغْضَ اغْتُفِرَ ; لِأَنَّ الْبُغْضَ هُوَ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهَا: لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا مَمْلُوءٌ بِمَحَبَّتِهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (أَجَلْ) بِوَزْنِ نَعَمْ وَمَعْنَاهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِلَّا أَنَّ نَعَمْ أَحْسَنُ مِنْ أَجَلْ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، أَجَلْ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ. قُلْتُ: وَهِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَفْقِ مَا قَالَ.
٦٤ - بَاب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؟
٦٠٧٩ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَ: إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قِيلَ: الْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَتَمَةِ وَقِيلَ إِلَى الْفَجْرِ، فَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الطَّعَامُ، وَبِالْكَسْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَتَمَةِ، وَالْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْفَجْرِ.
قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ ابْنُ يُوسُفَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ:، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ وَهَذَا التَّعْلِيقُ سَبَقَ مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَوْصُولًا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ) كَأَنَّ هَذَا سِيَاقَ مَعْمَرٍ، وَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ كَلَامٌ آخَرُ فَعَطَفَ هَذَا عَلَيْهِ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عروة كَذَا رَأَيْتُهُ فِيهِ بِالْوَاوِ، أَمَّا رِوَايَةُ عُقَيْلٍ فَلَفْظُهُ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ إِلَخْ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ يُحْوِجُ النَّبِيَّ ﷺ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّفَ الْمَجِيءَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَأَجَابَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجِيءُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِمُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ، بَلْ لِمَا يَتَزَايَدُ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي هَذَا الْجَوَابُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَمْنَعُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجِيءُ إِلَيْهِ ﷺ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ يَأْمَنُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُ أَبو بَكْرٍ كَانَ بَيْنَ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ، وَالْمَقْصُودُ الْمَسْجِدُ، وَكَانَ يَشْهَدُهُ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى بِطُولِهِ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَمَزَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى تَوْهِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا.
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ أَكْثَرُهَا غَرَائِبُ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ، وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَجَاءَ مِنْ حَدِيثِ: عَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْر، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ، وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ، وَأَقْوَى طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ، وَالْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute