أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، وَلِمَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا أَنَّهُ ﷺ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ كَبَّرَ عَلَى أَرَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، أَوْ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، أَبْدَاهُ عِيَاضٌ، وَالْقُرْطُبِيُّ احْتِمَالًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ كَعَادَتِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، وَدَعْوَى ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَلَى جَوَازِ تَكْبِيرِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ، قَالَ: فَنَاقَضَ أَصْلَهُ فَاحْتَجَّ بِالْمُرْسَلِ، مُتَعَقَّبُهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَرُدُّ الْمَرَاسِيلَ مُطْلَقًا، بَلْ يَحْتَجُّ مِنْهَا بِمَا يَعْتَضِدُ، وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (انْتَظَرْنَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: (انْصَرَفَ) أَيْ إِلَى حُجْرَتِهِ وَهُوَ جَوَابُ إِذَا، وَقَوْلُهُ: (قَالَ) اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَكَانِكُمْ) أَيْ كُونُوا عَلَى مَكَانِكُمْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى هَيْئَتِنَا) بِفَتْحِ الْهَاءِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمُ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَكَانِكُمْ فَاسْتَمَرُّوا عَلَى الْهَيْئَةِ - أَيِ الْكَيْفِيَّةِ - الَّتِي تَرَكَهُمْ عَلَيْهَا، وَهِيَ قِيَامُهُمْ فِي صُفُوفِهِمُ الْمُعْتَدِلَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى هِينَتِنَا بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبَعْدَ الْيَاءِ نُونٌ مَفْتُوحَةٌ، وَالْهِينَةُ الرِّفْقُ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَوْجَهُ.
قَوْلُهُ: (يَنْطِفُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا أَيْ يَقْطُرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدِ اغْتَسَلَ) زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا مَضَى فِي كِتَابِ الْغُسْلِ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ، وَفِيهِ طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَجَوَازُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فَصَلَّى ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ لَمْ تُعَدْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالضَّرُورَةِ وَبِأَمْنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ. وَعَنْ مَالِكٍ إِذَا بَعُدَتِ الْإِقَامَةُ مِنَ الْإِحْرَامِ تُعَادُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَسَبِيلُ مَنْ غَلَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِعُذْرٍ مُوهِمٍ كَأَنْ يُمْسِكَ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رُعِفَ. وَفِيهِ جَوَازُ انْتِظَارِ الْمَأْمُومِينَ مَجِيءَ الْإِمَامِ قِيَامًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ غَيْرُ الْقِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ. وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنِ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ. وَجَوَازُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ. وَجَوَازُ تَأْخِيرِ الْجُنُبِ الْغُسْلَ عَنْ وَقْتِ الْحَدَثِ.
(فَائِدَةٌ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - أَيِ الْبُخَارِيِّ - إِذَا وَقَعَ هَذَا لِأَحَدِنَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: فَيَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا؟ قَالَ: إِنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدُوا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ انْتَظَرُوهُ قِيَامًا. وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
٢٥ - بَاب إِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ
٦٤٠ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَكَانَكُمْ) هَذَا اللَّفْظُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْغُسْلِ بِلَفْظِ فَقَالَ: لَنَا مَكَانَكُمْ، بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى نَرْجِعَ) بِالنُّونِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَبِالْهَمْزَةِ لِلْأَصِيلِيِّ، وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ