وَالْآتِي الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ) إِنَّمَا قَالَ: لِمُضَرَ لِأَنَّ غَالِبَهُمْ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ مِيَاهِ الْحِجَازِ، وَكَانَ الدُّعَاءُ بِالْقَحْطِ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ سُكَّانُ مَكَّةَ فَسَرَى الْقَحْطُ إِلَى مَنْ حَوْلَهُمْ فَحَسُنَ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ لَهُمْ، وَلَعَلَّ السَّائِلَ عَدَلَ عَنِ التَّعْبِيرِ بِقُرَيْشٍ لِئَلَّا يَذْكُرَهُمْ فَيُذَكِّرُ بِجُرْمِهِمْ، فَقَالَ: لِمُضَرَ لِيَنْدَرِجُوا فِيهِمْ، وَيُشِيرُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِمْ قَدْ هَلَكُوا بِجَرِيرَتِهِمْ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُضَرَ أَيْضًا قَوْمُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ مِنْ مُضَرَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ) أَيْ أَتَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَسْقِيَ لِمُضَرَ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ بِهِ؟ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْكِرْمَانِيِّ قَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُضَرَ أَيْ لِأَبِي سُفْيَانَ فَإِنَّهُ كَانَ كَبِيرُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ كَانَ الْآتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمُسْتَدْعِي مِنْهُ الِاسْتِسْقَاءَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَتَلَتْ قُرَيْشٌ فُلَانًا وَيُرِيدُونَ شَخْصًا مِنْهُمْ، وَكَذَا يُضِيفُونَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَبِيلَةِ وَالْأَمْرُ فِي الْوَاقِعِ مُضَافٌ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمُ انْتَهَى. وَجَعْلُهُ اللَّامَ مُتَعَلِّقَةً بِقَالَ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَحْذُوفِ كَمَا قَرَّرْتُهُ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أَصَابَهُمُ الرَّفَاهِيَةُ) بِتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَ الْهَاءِ أَيِ التَّوَسُّعُ وَالرَّاحَةُ.
٣ - بَاب: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾
٤٨٢٢ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا تَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ ﷺ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ مِنْ الْجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجُوعِ، قَالُوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَعَادُوا فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ - ﴿إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾
قَوْلُهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا تَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ) تَقَدَّمَ سَبَبُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا فِي سُورَةِ الرُّومِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَفْظُهُ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ فَقَالَ: يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَفَزِعْنَا، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَغَضِبَ فَجَلَسَ فَقَالَ: مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ جَرَى الْبُخَارِيُّ عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيثَارِ الْخَفِيِّ عَلَى الْوَاضِحِ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَادِ هَذَا السِّيَاقِ مِنْ سُورَةِ الرُّومِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ ذِكْرِ الدُّخَانِ، لَكِنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ يَذْكُرُهُ فِي الْمَوْضِعِ اللَّائِقِ بِهِ عَارِيًا عَنِ الزِّيَادَةِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهَا فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ، شَحْذًا لِلْأَذْهَانِ وَبَعْثًا عَلَى مَزِيدِ الِاسْتِحْضَارِ، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ، فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: آيَةُ الدُّخَانِ لَمْ تَمْضِ بَعْدُ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، وَيُنْفَخُ الْكَافِرُ حَتَّى يَنْفَدَ.
ثُمَّ أَخْرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute