شَيْبَةَ عَنْهُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ حِمَارٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ، وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: لَأَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي، قَالَ: قَدْ جَعَلْتُهُ لَكَ. فَرَكِبَ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بَيَّنَهُ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِهِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَرْتَضِ إِسْنَادَهُ يَعْنِي حَدِيثَ بُرَيْدَةَ فَأَدْخَلَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِيَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ.
قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِهِ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ زِيَادَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ بِمَعْنَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ لِأَنَّهُ شَرَفٌ وَالشَّرَفُ حَقُّ الْمَالِكِ ; وَلِأَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي الْمَشْيِ حَيْثُ شَاءَ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَرَادَ مِنْ إِسْرَاعٍ أَوْ بُطْءٍ وَمِنْ طُولٍ أَوْ قِصَرٍ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي يُرِيدُ الرُّكُوبَ عَلَى مُقَدَّمِ الدَّابَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ تَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ، أَيْ فِي الْمُقَدَّمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ صَرِيحًا، أَوِ الضَّمِيرُ لِلتَّصَرُّفِ فِي الدَّابَّةِ بَعْدَ الرُّكُوبِ كَيْفَ أَرَادَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّابَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اجْعَلْ حَقَّكَ لِي كُلَّهُ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَى مُقَدَّمِ الدَّابَّةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ذُكِرَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ عِكْرِمَةَ) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَشَرُّ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ أَوَّلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ الْأَشَرُّ فَأَمَّا أَشَرُّ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فَهِيَ لُغَةٌ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَفِيهِ قَالُوا: أَخِيرُنَا وَابْنُ أَخِيرِنَا وَجَاءَ فِي الْمَثَلِ صُغْرَهَا أَشَرُّهَا وَقَالُوا أَيْضًا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ نَفْسٍ حَرَّى، وَعَيْنٍ شَرَّى أَيْ مَلْأَى مِنَ الشَّرِّ، وَهُوَ مِثْلُ أَصْغَرَ وَصُغْرَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِزِيَادَةِ اللَّامِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمُ: الْحَسَنُ الْوَجْهَ وَالْوَاهِبُ الْمِائَةَ، وَالْمُرَادُ بِلَفْظِ الْأَشَرِّ الشَّرُّ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ إِلَّا نَادِرًا.
قَوْلُهُ: (أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَتَى، وَرَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ أَيْ جَاءَ، وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ وَهُمَا وَلَدَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخَوَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَاوِي الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِيِ، وَقُثَمُ بِقَافٍ وَمُثَلَّثَةٍ وَزْنُ عُمَرَ، لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ رِوَايَةٌ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ مَعَ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَوَهِمَ.
قَوْلُهُ: (فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ)؟ هَذَا كَلَامُ عِكْرِمَةَ يَرُدُّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ لَهُ شَرَّ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى هَذَا وَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدْخُلُهُ النَّسْخُ، وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ، كَذَا قَالَ. وَدَعْوَى النَّسْخِ هُنَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَالْجَمْعُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ أَوَّلًا أَوْلَى.
١٠١ - بَاب إِرْدَافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ
٥٩٦٧ - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute