اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ اسْتَفْتَى، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ سَعْدٍ، أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ، فَتَعَيَّنَ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ مَنْ زَادَ فِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَيَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَخَذَهُ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَكُونَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الرِّوَايَةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عَنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَتَتَّحِدُ الرِّوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَقَالَ: اقْضِهِ عَنْهَا) فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ: لَمْ تَقْضِهِ، وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ الْمَذْكُورَةِ: أَفَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ أَعْتِقَ عَنْهَا؟ قَالَ: أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بَيَانَ مَا هُوَ النَّذْرُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَذَرَتْ نَذْرًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيَكُونَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَفْتَى فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَالْعِتْقُ أَعْلَى كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ النَّذْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدَةِ سَعْدٍ صِيَامٌ، وَاسْتَنَدَ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّوْمِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ. قُلْتُ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ: جَوَازُ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ بِوُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِنَ الْوَلَدِ، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ وَيَلْتَحِقُ بِالصَّدَقَةِ الْعِتْقُ عَنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ هَلْ تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ.
وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَذُمَّ أُمَّ سَعْدٍ عَلَى تَرْكِ الْوَصِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا قَدْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهَا وَسَقَطَ عَنْهَا التَّكْلِيفُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ إِنْكَارِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُنْكَرًا لِيَتَّعِظَ غَيْرُهَا مِمَّنْ سَمِعَهُ، فَلَمَّا أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ. وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِشَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ، وَفِيهِ الْجِهَادُ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهَا، وَفِيهِ السُّؤَالُ عَنِ التَّحَمُّلِ، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى عَمَلِ الْبِرِّ، وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَأَنَّ إِظْهَارَ الصَّدَقَةِ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ إِخْفَائِهَا، وَهُوَ عِنْدَ اغْتِنَامِ صِدْقِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَأَنَّ لِلْحَاكِمِ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، نَبَّهَ عَلَى أَكْثَرِ ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَكَلَامُهُ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
٢٠ - بَاب الْإِشْهَادِ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ
٢٧٦٢ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ﵁ أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ - تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute