للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَفِي إِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَهُوَ يُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى أَحْمَدُ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ هَذَا قِصَّةً أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ اللَّيْثِيِّينَ يَذْكُرُونَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ فَرَسَهُ أَعْيَتْ بِالْعَقِيقِ وَهُوَ فِي بَعْثٍ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ يَسْتَحْمِلُهُ، فَخَرَجَ مَعَهُ يَبْتَغِي لَهُ بَعِيرًا فَلَمْ يَجِدْهُ إِلَّا عِنْدَ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ، فَسَامَهُ لَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْمٍ: لَا أَبِيعُكَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ خُذْهُ فَاحْمِلْ عَلَيْهِ مَنْ شِئْتَ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِئْرَ إِهَابٍ قَالَ: يُوشِكُ الْبُنْيَانُ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا الْمَكَانَ، وَيُوشِكُ الشَّامُ أَنْ يُفْتَحَ فَيَأْتِيَهُ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ فَيُعْجِبَهُمْ رِيعُهُ وَرَخَاؤُهُ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أَيْ: بِفَضْلِهَا مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَثَوَابِ الْإِقَامَةِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَوْ بِمَعْنَى لَيْتَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَفِيهِ تَجْهِيلٌ لِمَنْ فَارَقَهَا وَآثَرَ غَيْرَهَا، قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَارِجُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا كَارِهِينَ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الْمَقَامُ أَنْ يُنَزَّلَ مَا لَا يَعْلَمُونَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ؛ لِتَنْتَفِيَ عَنْهُمُ الْمَعْرِفَةُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ ذَهَبَ مَعَ ذَلِكَ إِلَى التَّمَنِّي لَكَانَ أَبْلَغَ؛ لِأَنَّ التَّمَنِّيَ طَلَبُ مَا لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ، أَيْ: لَيْتَهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيُعْجِبُ قَوْمًا بِلَادُهَا وَعَيْشُ أَهْلِهَا فَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْمُهَاجَرَةِ إِلَيْهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْإِقَامَةَ فِي الْمَدِينَةِ خَيْرٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا حَرَمُ الرَّسُولِ وَجِوَارُهُ وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ وَمَنْزِلُ الْبَرَكَاتِ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مَا فِي الْإِقَامَةِ بِهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ بِالْعَوَائِدِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي يُسْتَحْقَرُ دُونَهَا مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الْحُظُوظِ الْفَانِيَةِ الْعَاجِلَةِ بِسَبَبِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهَا. وَقَوَّاهُ الطِّيبِيُّ لِتَنْكِيرِ قَوْمٍ وَوَصْفِهِمْ بِكَوْنِهِمْ يَبُسُّونَ، ثُمَّ تَوْكِيدِهِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ مِمَّنْ رَكَنَ إِلَى الْحُظُوظِ الْبَهِيمِيَّةِ وَالْحُطَامِ الْفَانِي، وَأَعْرَضُوا عَنِ الْإِقَامَةِ فِي جِوَارِ الرَّسُولِ، وَلِذَلِكَ كَرَّرَ قَوْمًا وَوَصَفَهُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ بِقَوْلِهِ: يَبُسُّونَ اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْهَيْئَةِ الْقَبِيحَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٦ - بَاب الْإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ

١٨٧٦ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْإِيمَانِ يَأْرِزُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَقَدْ تُضَمُّ - بَعْدَهَا زَايٌ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَتْحَ الرَّاءِ، وَقَالَ: إِنَّ الْكَسْرَ هُوَ الصَّوَابُ، وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سِرَاجٍ ضَمَّ الرَّاءِ، وَحَكَى الْقَابِسِيُّ الْفَتْحَ، وَمَعْنَاهُ يَنْضَمُّ وَيَجْتَمِعُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ خُبَيْبٍ) بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا، وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَخُبَيْبٌ هُوَ خَالُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ. وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَزَّارُ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ سُلَيْمٍ أَخْطَأَ فِيهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ) أَيِ: ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) أَيْ أنَّهَا كَمَا تَنْتَشِرُ مِنْ جُحْرِهَا فِي طَلَبِ مَا تَعِيشُ بِهِ فَإِذَا رَاعَهَا شَيْءٌ رَجَعَتْ إِلَى جُحْرِهَا، كَذَلِكَ الْإِيمَانُ انْتَشَرَ فِي الْمَدِينَةِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ سَائِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ لِمَحَبَّتِهِ فِي النَّبِيِّ فَيَشْمَلُ ذَلِكَ جَمِيعَ