وَأَنَّ الدَّاوُدِيَّ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فِيهِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَتَعَقُّبَ ابْنِ التِّينِ لَهُ، وَالْجَوَابَ عَنِ الدَّاوُدِيِّ وَتَصْوِيبَهُ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ أيضًا وهو الحديث الرابع، فَ وُهَيْبٌ فِي سَنَدِهِ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي عَلَّقَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ آخِرَ الْبَابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهَذَا مَنْ يَرَى أَنَّ الثِّقَاتِ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ يُرَجَّحُ قَوْلُ مَنْ وَصَلَ لِمَا مَعَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ ; لِأَنَّ وُهَيْبًا، وَعَبْدَ الْوَهَّابِ ثِقَتَانِ، وَقَدْ وَصَلَهُ وُهَيْبٌ وَأَرْسَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ مَعَ ذَلِكَ، وَالَّذِي عَرَفْنَاهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقَاعِدَةٍ مُطَّرِدَةٍ، بَلْ يَدُورُ مَعَ التَّرْجِيحِ إِلَّا إِنِ اسْتَوَوْا، فَيُقَدِّمُ الْوَصْلَ وَالْوَاقِعُ هُنَا أَنَّ مَنْ وَصَلَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَرْسَلَهُ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَصَلَهُ مَعَ وُهَيْبٍ عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَرْسَلَهُ مَعَ عَبْدِ الْوَهَّابِ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ. قُلْتُ: وَخَالِدٌ مُتْقِنٌ، وَفِي عَاصِمٍ، وَالْحَسَنِ مَقَالٌ، فَيَسْتَوِي الطَّرَفَانِ فَيَتَرَجَّحُ الْوَصْلُ، وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَازْدَادَ قُوَّةً أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ.
قَوْلُهُ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، زَادَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ
قَوْلُهُ: إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ وُهَيْبٍ: إِذِ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ
قَوْلُهُ: (قَائِمٌ)، زَادَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: فِي الشَّمْسِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى وَفِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ: وَأَبُو إِسْرَائِيلَ يُصَلِّي
قَوْلُهُ: (فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ)، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: فَقَالُوا: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ، زَادَ الْخَطِيبُ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
قَوْلُهُ: نَذَرَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: ظَاهِرُ اللَّفْظِ السُّؤَالُ عَنِ اسْمِهِ، فَلِذَلِكَ ذَكَرُوهُ وَزَادُوا فِعْلَهُ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَذَكَرُوهُ وَزَادُوا التَّعْرِيفَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُ لَمَّا كَانَ السُّؤَالُ مُحْتَمَلًا ذَكَرُوا الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا
قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَظِلَّ، فِي رِوَايَةِ الْخَطِيبِ: وَيَقُومُ فِي الشَّمْسِ.
قَوْلُهُ: (مُرْهُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: مُرُوهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ: لِيَقْعُدْ وَلْيَتَكَلَّمْ، وَأَبُو إِسْرَائِيلَ الْمَذْكُورُ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي كُنْيَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ: قُشَيْرٌ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ، وَقِيلَ: يُسَيْرٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: قَيْصَرُ بِاسْمِ مَلِكِ الرُّومِ، وَقِيلَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الصَّادِ، وَقِيلَ: بِغَيْرِ رَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَهُوَ قُرَشِيٌّ ثُمَّ عَامِرِيٌّ، وَتَرْجَمَ لَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الصَّحَابَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: أَبُو إِسْرَائِيلَ الْأَنْصَارِيُّ.
وَاغْتَرَّ بِذَلِكَ الْكَرْمَانِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْمُبَاحِ لَيْسَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: وَلَا صُمْتُ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، وَتَقَدَّمَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِلْمَرْأَةِ إِنَّ هَذَا - يَعْنِي الصَّمْتَ - مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ وَلَوْ مَآلًا مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ، كَالْمَشْيِ حَافِيًا، وَالْجُلُوسِ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ هُوَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النَّذْرُ، فَإِنَّهُ ﷺ أَمَرَ أَبَا إِسْرَائِيلَ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَتَكَلَّمَ وَيَسْتَظِلَّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قِصَّةِ أَبِي إِسْرَائِيلَ هَذِهِ أَوْضَحُ الْحُجَجِ لِلْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً أَوْ مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَمَّا ذَكَرَهُ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ
٣٢ - بَاب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوْ الْفِطْرَ
٦٧٠٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ