قَالَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ الْوَقْعَةُ، يُقَالُ: حَدَرَ هِبَةَ السَّيْفِ أَيْ وَقَعَتْهُ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ هَبَّ إِذَا احْتَاجَ إِلَى الْجِمَاعِ، يُقَالُ: هَبَّ التَّيْسُ يَهُبُّ هَبِيبًا.
تَنْبِيهٌ:
زَعَمَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ الْبُخَارِيَّ يَرَى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَشَرَحَ كَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ أَنَّ سَاقَ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ: وَفِي قَوْلِ مَسْرُوقٍ مَا أُبَالِي حَرَّمْتُ امْرَأَتِي أَوْ جَفْنَةَ ثَرِيدٍ، وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَهْوَنُ مِنْ فِعْلِي، هَذَا الْقَوْلُ شُذُوذٌ، وَعَلَيْهِ رَدَّ الْبُخَارِيُّ، قَالَ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا كَانَ التَّحْرِيمُ ثَلَاثًا، قَالَ: وَإِلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِ حَدِيثِ رِفَاعَةَ لِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ امْرَأَتَهُ فَهُوَ كَمَنْ طَلَّقَهَا اهـ.
وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْحَرَامَ يَنْصَرِفُ إِلَى نِيَّةِ الْقَائِلِ، وَلِذَلِكَ صَدَّرَ الْبَابَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهَذِهِ عَادَتُهُ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ مَهْمَا صَدَّرَ بِهِ مِنَ النَّقْلِ عَنْ صَحَابِيٍّ أَوْ تَابِعِيٍّ فَهُوَ اخْتِيَارُهُ، وَحَاشَا الْبُخَارِيُّ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِكَوْنِ الثَّلَاثِ تُحَرِّمُ أَنَّ كُلَّ تَحْرِيمٍ لَهُ حُكْمُ الثَّلَاثِ مَعَ ظُهُورِ مَنْعِ الْحَصْرِ، لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ تُحَرِّمُ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا وَالْبَائِنُ تُحَرِّمُ الْمَدْخُولَ بِهَا إِلَّا بَعْدَ عَقْدٍ جَدِيدٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجْعِيَّةُ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّحْرِيمُ فِي الثَّلَاثِ، وَأَيْضًا فَالتَّحْرِيمُ أَعَمُّ مِنَ التَّطْلِيقِ ثَلَاثًا فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ؟ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا اخْتَرْنَاهُ أَوَّلًا تَعْقِيبُ الْبُخَارِيِّ الْبَابَ بِتَرْجَمَةِ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ وَسَاقَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٨ - بَاب ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾
٥٢٦٦ - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَبَّاح، سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
٥٢٦٧ - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ لِقَوْلِهِ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا"
٥٢٦٨ - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute