قوله: (باب رهن السلاح) قال ابن المنير: إنما ترجم لرهن السلاح بعد رهن الدرع لأن الدرع ليست بسلاح حقيقة، وإنما هي آلة يتقى بها السلاح، ولهذا قال بعضهم: لا تجوز تحليتها، وإن قلنا بجواز تحلية السلاح كالسيف.
قَوْلُهُ: (اللَّأْمَةُ) بِلَامٍ مُشَدَّدَةٍ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ قَدْ فَسَّرَهَا سُفْيَانُ الرَّاوِي بِالسِّلَاحِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الْمَغَازِي. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ: نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ رَهْنِ السِّلَاحِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ الْمُبَاحَةِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَيْسَ فِيهِ مَا بَوَّبَ لَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إِلَّا الْخَدِيعَةَ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ جَوَازُ رَهْنِ السِّلَاحِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ عِنْدَ مَنْ تَكُونُ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ بِاتِّفَاقٍ، وَكَانَ لِكَعْبٍ عَهْدٌ، وَلَكِنَّهُ نَكَثَ مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعِينُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَانْتَقَضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَعْلَنَ ﷺ بِأَنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا عِنْدَهُمْ رَهْنُ السِّلَاحِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمَا عَرَضُوا عَلَيْهِ، إِذْ لَوْ عَرَضُوا عَلَيْهِ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَتُهُمْ لَاسْتَرَابَ بِهِمْ وَفَاتَهُمْ مَا أَرَادُوا مِنْ مَكِيدَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِصَدَدِ الْمُخَادَعَةِ لَهُ أَوْهَمُوهُ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَجُوزُ لَهُمْ عِنْدَهُمْ فِعْلُهُ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِمَا عَهِدَهُ مِنْ صِدْقِهِمْ فَتَمَّتِ الْمَكِيدَةُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ عَهْدِهِ انْتَقَضَ فَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ مَا أَعْلَنَ ذَلِكَ وَلَا أَعْلَنُوا لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْمُحَاوَرَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَالِ، وَهَذَا كَافٍ فِي الْمُطَابَقَةِ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: فِي قَوْلِهِ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ جَوَازُ قَتْلِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَلَوْ كَانَ ذَا عَهْدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا قَالَ، وَلَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٤ - بَاب الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ
وَقَالَ مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا. وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ
٢٥١١ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا.
٢٥١١ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا"
[الحديث ٢٥١١ - طرفه في: ٢٥١٢]
٢٥١٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قال رسول الله ﷺ: "الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ"
قَوْلُهُ: (بَابُ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ الْحَاكِمُ: لَمْ يُخَرِّجَاهُ؛ لِأَنَّ سُفْيَانَ وَغَيْرَهُ وَقَفُوهُ عَلَى الْأَعْمَشِ، انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ عَلَى الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، وَرَجَّحَ الْمَوْقُوفَ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مُسَاوٍ لِحَدِيثِ الْبَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ زِيَادَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُغِيرَةُ)؛ أَيِ ابْنُ مِقْسَمٍ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ)؛ أَيِ النَّخَعِيِّ (تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بِقَدْرِ عَمَلِهَا، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ)؛ أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَلَفْظُهُ: الدَّابَّةُ إِذَا كَانَتْ مَرْهُونَةً تُرْكَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وَإِذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُشْرَبُ مِنْهُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا.