أَفَعَلُوهَا؟ أَيِ الْأَثَرَةَ؛ أَيْ شَرِكْنَاهُمْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَأَرَادُوا الِاسْتِبْدَادَ بِهِ عَلَيْنَا. وَفِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَظِيمُ النِّفَاقِ: مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ. وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَقَدْ فَعَلُوهَا؟ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَجَلَابِيبُ قُرَيْشٍ هَذِهِ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ) فِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ: فَقَالَ عُمَرُ: مُرْ مُعَاذًا أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْمِهِ.
قَوْلُهُ: (دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)؛ أَيْ أَتْبَاعَهُ، وَيَجُوزُ فِي يَتَحَدَّثَ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْكَسْرِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ. وَفِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ: فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ: مُرْ بِهِ مُعَاذَ بْنَ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ فَلْيَقْتُلْهُ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ. فَرَاحَ فِي سَاعَةٍ مَا كَانَ يَرْحَلُ فِيهَا، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْأَعَزُّ وَهُوَ الْأَذَلُّ. قَالَ: وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ أَبِي فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ فَأَنَا أَحْمِلْ إِلَيْكَ رَأْسَهُ. فَقَالَ: بَلْ تُرْفِقُ بِهِ وَتُحْسِنُ صُحْبَتَهُ. قَالَ: فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَرَى؟ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ وَالِدِي يُؤْذِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَذَرْنِي حَتَّى أَقْتُلَهُ. قَالَ: لَا تَقْتُلْ أَبَاكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ) هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ تَقَدُّمَ الْقِصَّةِ، وَيُوَضِّحُ وَهْمَ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ بِتَبُوكَ؛ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ حِينَئِذٍ كَانُوا كَثِيرًا جِدًّا، وَقَدِ انْضَافَتْ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانُوا حِينَئِذٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٦ - بَاب قَوْلُهُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ يَنْفَضُّوا: يَتَفَرَّقُوا
باب: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ﴾
٤٩٠٦ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ - وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي - يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ. وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ كَذَا لَهُمْ، وَزَادَ أَبُو ذَرٍّ: الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: (يَنْفَضُّوا: يَتَفَرَّقُوا) سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى يَنْفَضُّوا: حَتَّى يَتَفَرَّقُوا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ سَبَبُ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لَا تُنْفِقُوا. . . الْآيَةَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا تُنْفِقُوا كَانَ سَبَبُهُ الشِّدَّةُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ سَبَبُهُ مُخَاصَمَةُ الْمُهَاجِرِيِّ وَالْأَنْصَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: (الْكَسْعُ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدِكَ عَلَى شَيْءٍ أَوْ بِرِجْلِكَ، وَيَكُونُ أَيْضًا إِذَا رَمَيْتَهُ بِسُوءٍ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ، وَحَقُّ هَذَا أَنْ يُذْكَرَ قَبْلَ