وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ. قَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرًا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ. . .
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ﴾ لَهُمْ. . . الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ غَيْرُهُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ الَّتِي فِي التَّوْبَةِ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَمْرٌو) وَقَعَ فِي آخِرِ الْبَابِ: قَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو، قَالَ: فَذَكَرَهُ، وَوَقَعَ رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ الْآتِيَةُ بَعْدَ بَابِ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرٍو.
قَوْلُهُ: (كُنَّا فِي غَزَاةٍ - قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فِي جَيْشٍ) وَسَمَّى ابْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْغَزَاةَ غَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَكَذَا فِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَكَسَعَ رَجُلٌ) الْكَسْعُ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ بَعْدَ بَابٍ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ ضَرْبُ الدُّبُرِ بِالْيَدِ أَوْ بِالرِّجْلِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بِرِجْلِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْيَمَنِ شَدِيدٌ، وَالرَّجُلُ الْمُهَاجِرِيُّ هُوَ جَهْجَاهُ بْنُ قَيْسٍ - وَيُقَالُ: ابْنُ سَعِيدٍ - الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُودُ لَهُ فَرَسَهُ، وَالرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ هُوَ سِنَانُ بْنُ وَبَرَةَ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَأَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ كَانَ مِنْ غِفَارٍ، وَسَمَّاهُمَا ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ شُيُوخِهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَزَا غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ الَّتِي هَدَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنَاةَ الطَّاغِيَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قَفَا الْمُشَلَّلِ وَبَيْنَ الْبَحْرِ فَاقْتَتَلَ رَجُلَانِ فَاسْتَعْلَى الْمُهَاجِرِيُّ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، فَتَدَاعَوْا إِلَى أَنْ حُجِزَ بَيْنَهُمْ، فَانْكَفَأَ كُلُّ مُنَافِقٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالُوا: كُنْتَ تُرْجَى وَتَدْفَعُ، فَصِرْتَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ! فَقَالَ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ وَاحِدٌ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: اقْتَتَلَ غُلَامَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَنَادَى الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَنَادَى الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ أَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ! قَالُوا: لَا، إِنَّ غُلَامَيْنِ اقْتَتَلَا فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. فَقَالَ: لَا بَأْسَ، وَلْيَنْصُرَنَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا الْحَدِيثَ. وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بَيَانٌ لِأَحَدِ الْغُلَامَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: اقْتَتَلَ غُلَامَانِ؛ غُلَامٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَحَذَفَ لَفْظَ غُلَامٍ مِنَ الْأَوَّلِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ: فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ فَأَفْرَدَهُ، فَتَتَوَافَقُ الرِّوَايَاتُ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا بَأْسَ جَوَازُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ بِالْقَصْدِ الْمَذْكُورِ وَالتَّفْصِيلِ الْمُبَيَّنِ، لَا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نُصْرَةِ مَنْ يَكُونُ مِنَ الْقَبِيلَةِ مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا مُسْتَوْفًى فِي بَابِ أَعِنْ أَخَاكَ مِنْ كِتَابِ الْمَظَالِمِ.
قَوْلُهُ: (يَا لَلْأَنْصَارِ!) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهِيَ لِلِاسْتِغَاثَةِ؛ أَيْ: أَغِيثُونِي. وَكَذَا قَوْلُ الْآخَرِ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!
قَوْلُهُ: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)؛ أَيْ: دَعْوَةُ الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ الْكَسْعَةُ. وَمُنْتِنَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مِنَ النَّتْنِ؛ أَيْ أَنَّهَا كَلِمَةٌ قَبِيحَةٌ خَبِيثَةٌ، وَكَذَا ثَبَتَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.
قَوْلُهُ: (فَعَلُوهَا؟) هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ؛ أَيْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute