تَثَبَّتَ وَاسْتَذْكَرَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِمَا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ رَاوِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ﷺ عَرَفَ أَنَّ تَعْرِيفَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَأَمَرَ أُبَيًّا بِإِعَادَةِ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَ لِلْمُسِيءِ صِلَاتَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا عَلَى مِثْلِ أُبَيٍّ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَةً عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ فِي التَّعْرِيفِ مُفَوَّضٌ لِأَمْرِ الْمُلْتَقِطِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ اللُّقَطَةِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢ - بَاب ضَالَّةِ الْإِبِلِ
٢٤٢٧ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ﵁ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعرف عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: ضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ.
قَوْلُهُ (بَابُ ضَالَّةِ الْإِبِلِ) أَيْ هَلْ تُلْتَقَطُ أَمْ لَا؟ وَالضَّالُّ: الضَّائِعُ، وَالضَّالُّ فِي الْحَيَوَانِ كَاللُّقَطَةِ فِي غَيْرِهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهَا لَا تُلْتَقَطُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْأَوْلَى أَنْ تُلْتَقَطَ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ عَلَى مَنِ الْتَقَطَهَا لِيَتَمَلَّكَهَا لَا لِيَحْفَظَهَا فَيَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ. وَكَذَا إِذَا وُجِدَتْ بِقَرْيَةٍ فَيَجُوزُ التَّمَلُّكُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنِ الْتِقَاطِ الْإِبِلِ أَنَّ بَقَاءَهَا حَيْثُ ضَلَّتْ أَقْرَبُ إِلَى وِجْدَانِ مَالِكِهَا لَهَا مِنْ تَطَلُّبِهِ لَهَا فِي رِحَالِ النَّاسِ. وَقَالُوا: فِي مَعْنَى الْإِبِلِ كُلُّ مَا امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ عَنْ صِغَارِ السِّبَاعِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ رَبِيعَةَ) هُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالرَّأْيِ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَبِيعَةَ حَدَّثَهُمْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْعِلْمِ وَالشِّرْبِ وَهُنَا فِي مَوَاضِعَ، وَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ وَالْأَدَبِ.
قَوْلُهُ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ جَاءَ رَجُلٌ وَزَعَمَ ابْنُ بَشْكُوَالَ وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُدَ وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ السَّائِلَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ بُعْدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ، وَقِيلَ: السَّائِلُ هُوَ الرَّاوِي وَفِيهِ بُعْدٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ فِيهِ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَقَالَ فِيهِ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ أَوْ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلَى الشَّكِّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ الْمَذْكُورَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَتَى رَجُلٌ وَأَنَا مَعَهُ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلَعَلَّهُ نَسَبَ السُّؤَالَ إِلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ كَانَ مَعَ السَّائِلِ. ثُمَّ ظَفِرْتُ بِتَسْمِيَةِ السَّائِلِ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ، وَابْنُ السَّكَنِ، وَالْبَارُودِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute