مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ عَامِ الْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ يَخْتَبِرُهُنَّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْحَالِ دُونَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾
قَوْلُهُ: (مُهَاجِرَاتٌ) جَمْعُ مُهَاجِرَةٍ وَالْمُهَاجَرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمُغَاضَبَةُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَصْلُ الْهِجْرَةِ خُرُوجُ الْبَدْوِيِّ مِنَ الْبَادِيَةِ إِلَى الْقَرْيَةِ وَإِقَامَتُهُ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا هَهُنَا خُرُوجُ النِّسْوَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُسْلِمَاتٍ.
قَوْلُهُ: (إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) يَحْتَمِلُ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا وَآخِرُهَا: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْآيَةِ الْقِصَّةَ وَآخِرُهَا: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الشُّرُوطِ مِنْ طَرِيقِ عَقِيلٍ وَحْدَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَقِبَ حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ - إِلَى - ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحِنَةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ عَائِشَةُ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ) يُشِيرُ إِلَى شَرْطِ الْإِيمَانِ، وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ امْتِحَانُهُنَّ أَنْ يَشْهَدْنَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ: وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ الْتِمَاسَ دُنْيَا، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْو هَذَا وَلَفْظُهُ: فَاسْأَلُوهُنَّ عَمَّا جَاءَ بِهِنَّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَضَبٍ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ سُخْطِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُؤْمِنَّ فَأَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: كَانَتْ مِحْنَتُهُنَّ أَنْ يُسْتَحْلَفْنَ بِاللَّهِ مَا أَخْرَجَكُنَّ نُشُوزٌ، وَمَا أَخْرَجَكُنَّ إِلَّا حُبُّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَإِذَا قُلْنَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُنَّ فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْعَوْفِيِّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا.
قَوْلُهُ: (انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ) بَيَّنَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا أَيْ كَلَامًا يَقُولُهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ الْمَذْكُورَةِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ وَلَا يُبَايِعُ بِضَرْبِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ، كَمَا كَانَ يُبَايِعُ الرِّجَالُ وَقَدْ أَوْضَحَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الْمُبَايَعَةِ: غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحِنَةِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ - الْآيَةَ كُلَّهَا. ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ -: أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: نَعَمْ وَقَدْ وَرَدَ مَا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا أَشَارَتْ إِلَى رَدِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِمْرَارِ حُكْمِ امْتِحَانِ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ: فَقِيلَ: مَنْسُوخٌ، بَلِ ادَّعَى بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَسْخِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
٢١ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ - إلى قوله - ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، ﴿فَإِنْ فَاءُوا﴾ رَجَعُوا
٥٢٨٩ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ.