للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثَانِيهُمَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اللِّعَانِ أَيْضًا؛ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُخْتَصَرَةٍ ثُمَّ مُطَوَّلَةٍ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ بِإِسْقَاطِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنَ السَّنَدِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى أَيْضًا فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: عَنْ بَدَلَ مِنْ، وَقَوْلُهُ: فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ذَكَرَ التَّلَاعُنَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.

قَوْلُهُ: (تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ) فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ فُلَانَةً، فَقَدْ ظَهَرَ فِيهَا الرِّيبَةَ فِي مَنْطِقِهَا وَهَيْئَتِهَا وَمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَكَأَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِبْهَامَهَا سَتْرًا عَلَيْهَا.

قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ وَلَوْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْفَاحِشَةِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى تُظْهِرُ السُّوءَ أَنَّهُ اشْتَهَرَ عَنْهَا وَشَاعَ وَلَكِنْ لَمْ تَقُمِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَلَا اعْتَرَفَتْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالِاسْتِفَاضَةِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَقْعَدَ جَارِيَتَهُ - وَقَدِ اتَّهَمَهَا بِالْفَاحِشَةِ - عَلَى النَّارِ حَتَّى احْتَرَقَ فَرْجُهَا هَلْ رَأَيْتَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاعْتَرَفَتْ لَكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَضَرَبَهُ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكِهِ لَأَقَدْتُهَا مِنْكَ، قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرَو بْنَ عِيسَى شَيْخَ اللَّيْثِ وَفِيهِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، كَذَا قَالَ فَأَوْهَمَ أَنَّ لِغَيْرِهِ كَلَامًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمِيزَانِ فَقَالَ: لَا يُعْرَفُ، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْحُ فِيمَا رَوَاهُ بَلْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ.

٤٤ - بَاب رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

٦٨٥٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ) أَيْ قَذْفِهِنَّ، وَالْمُرَادُ الْحَرَائِرُ الْعَفِيفَاتُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمُزَوَّجَاتِ، بَلْ حُكْمُ الْبِكْرِ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ.

قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَسَاقُوا الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

قَوْلُهُ: (وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا﴾، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ إِلَى قَوْلِهِ: عَظِيمٌ، وَاقْتَصَرَ النَّسَفِيُّ عَلَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ الْآيَةَ.

وَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ الْأُولَى بَيَانَ حَدِّ الْقَذْفِ وَالثَّانِيَةُ بَيَانَ كَوْنِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِاللَّعْنِ أَوِ الْعَذَابِ أَوْ شُرِعَ فِيهِ حَدٌّ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِذَلِكَ يُطَابِقُ حَدِيثُ الْبَابِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَذْفِ الْمُحْصَنِ مِنَ الرِّجَالِ حُكْمُ قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ مِنَ النِّسَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ قَذْفِ الْأَرِقَّاءِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.