وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَمَعْنَ بْنَ عِيسَى، إِنَّمَا سَمِعُوا مِنَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ قَالُوا كُلُّهُمْ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَمَنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْنٍ، وَالْعَقَدِيِّ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَمَّا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اللَّذَانِ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِمَا فَهُمَا كُوفِيَّانِ وَسَمَاعُهُمَا مِنَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَيْضًا بِالْمَدِينَةِ لَمَّا حَجَّا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ فَهُوَ بَصْرِيٌّ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ فَهُوَ شَامِيٌّ وَسَمَاعُهُ مِنَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَيْضًا بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْمَاعِيلُ وَاسِطِيٌّ.
وَمِمَّنْ سَمِعَهُ بِبَغْدَادَ مِنَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَآدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَقَدْ قَالُوا كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ آدَمَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ، وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَيَزِيدُ وَاسِطِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوْحٌ بَصْرِيَّانِ وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِصِّيصِيٌّ، وَآدَمُ عَسْقَلَانِيٌّ، وَكَانُوا كُلُّهُمْ يَقْدُمُونَ بَغْدَادَ وَيَطْلُبُونَ بِهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ قَالُوا فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُمْ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ إِذَا حَدَّثَ فِي بَلَدِهِ كَانَ أَتْقَنَ لِمَا يُحَدِّثُ بِهِ فِي حَالِ سَفَرِهِ، وَلَكِنْ عَارِضَ ذَلِكَ أَنَّ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَمَنْ قَالَ عَنْهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَلَكَ الْجَادَّةَ، فَكَانَتْ مَعَ مَنْ قَالَ عَنْهُ: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ زِيَادَةُ عِلْمٍ لَيْسَتْ عِنْدَ الْآخَرِينَ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَجَدَ مَعْنَى الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ، فَكَانَتْ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَنْ رَآهُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَصَنِيعُ الْبُخَارِيِّ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ أَبِي شُرَيْحٍ أَصَحَّ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَاهِلًا عَنِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ بَلْ وَعَنْ تَخْرِيجِ مُسْلِمٍ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي أَمَالِيهِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا طَرِيقَ أَبِي الزِّنَادِ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرِيقَ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ. قُلْتُ: وَعَلَى الْحَاكِمِ تَعَقُّبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسْتَدْرَكُ لِقُرْبِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنَى، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْجَارِ لِقَسَمِهِ ﷺ عَلَى ذَلِكَ، وَتَكْرِيرِهِ الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِيهِ نَفْيُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ وَمُرَادُهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَاصِي غَيْرُ كَامِلِ الْإِيمَانِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ نَفْيِ الْإِيمَانِ فِي مِثْلِ هَذَا جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِلِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ مُؤْمِنًا كَامِلًا اهـ. وَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُجَازَى مُجَازَاةَ الْمُؤْمِنِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ مَثَلًا، أَوْ أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: إِذَا أُكِّدَ حَقُّ الْجَارِ مَعَ الْحَائِلِ بَيْنَ الشَّخْصِ وَبَيْنَهُ وَأُمِرَ بِحِفْظِهِ وَإِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ وَكَفِّ أَسْبَابِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَقَّ الْحَافِظِينَ اللَّذِينِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلَا حَائِلٌ، فَلَا يُؤْذِيهِمَا بِإِيقَاعِ الْمُخَالَفَاتِ فِي مُرُورِ السَّاعَاتِ، فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمَا يُسَرَّانِ بِوُقُوعِ الْحَسَنَاتِ وَيَحْزَنَانِ بِوُقُوعِ السَّيِّئَاتِ، فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ جَانِبِهِمَا وَحِفْظُ خَوَاطِرِهِمَا بِالتَّكْثِيرِ مِنْ عَمَلِ الطَّاعَاتِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ، فَهُمَا أَوْلَى بِرِعَايَةِ الْحَقِّ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْجِيرَانِ اهـ مُلَخَّصًا.
٣٠ - بَاب لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute