صَنِيعُ الْبُخَارِيِّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مُتَابَعَةُ مُرَجَّى بْنِ رَجَاءٍ، لِهُشَيْمٍ عَلَى رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَأَفَادَتْ ثَلَاثَ فَوَائِدَ: الْأُولَى هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ تَصْرِيحُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ أَنَسٍ، وَالثَّالِثَةُ تَقْيِيدُ الْأَكْلِ بِكَوْنِهِ وِتْرًا.
وَقَدْ وَصَلَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ مُرَجَّى بِلَفْظِ يَخْرُجُ بَدَلَ يَغْدُو، وَالْبَاقِي مِثْلُ لَفْظِ هُشَيْمٍ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ، وَكَذَا وَصَلَهُ أَبُو ذَرٍّ فِي زِيَادَاتِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي حَامِدِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّنْجِيِّ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ مُرَجَّى بِلَفْظِ: وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَلَهُ رَاوٍ ثَالِثٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَا خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ وِتْرًا، وَهِيَ أَصْرَحُ فِي الْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: الْحِكْمَةُ فِي الْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَظُنَّ ظَانٌّ لُزُومَ الصَّوْمِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ سَدَّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا وَقَعَ وُجُوبُ الْفِطْرِ عَقِبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ اسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ مُبَادَرَةً إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ الِامْتِثَالِ لَأَكَلَ قَدْرَ الشِّبَعِ، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَمَّا كَانَ الْمُعْتَكِفُ لَا يَتِمُّ اعْتِكَافُهُ حَتَّى يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى قَبْلَ انْصِرَافِهِ إِلَى بَيْتِهِ خُشِيَ أَنْ يُعْتَمَدَ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ النَّهَارِ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الصَّائِمِ مَا يُعْتَمَدُ مِنِ اسْتِصْحَابِ الِاعْتِكَافِ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَشْرُوعِيَّةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يُحْبَسُ فِي رَمَضَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَاسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِدَارًا إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ وَسْوَسَتِهِ. وَسَيَأْتِي تَوْجِيهٌ آخَرُ لِابْنِ الْمُنِيرِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ اخْتِلَافًا. انْتَهَى.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّخْيِيرَ فِيهِ، وَعَنِ النَّخَعِيِّ أَيْضًا مِثْلَهُ. وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ لِمَا فِي الْحُلْوِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَصَرِ الَّذِي يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ، وَلِأَنَّ الْحُلْوَ مِمَّا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيُعَبَّرُ بِهِ الْمَنَامُ وَيَرِقُّ بِهِ الْقَلْبُ وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى الْحُلْوِ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا، وَرُوِيَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ يَحْبِسُ الْبَوْلَ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ وَلَوْ عَلَى الْمَاءِ لِيَحْصُلَ لَهُ شَبَهٌ مَا مِنَ الِاتِّبَاعِ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ. وَأَمَّا جَعْلُهُنَّ وِتْرًا فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ كَانَ ﷺ يَفْعَلُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ تَبَرُّكًا بِذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ): مُرَجَّى بِوَزْنِ مُعَلَّى، وَأَبُوهُ بِلَفْظِ رَجَاءٍ ضِدُّ الْخَوْفِ بَصْرِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ.
٥ - بَاب الْأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ
٩٥٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَدَّقَهُ. قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا.
[الحديث ٩٥٤ - أطرافه في: ٥٥٦١. ٥٥٤٩. ٥٥٤٦. ٩٨٤]
٩٥٥ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute