أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ، فَقَالَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا رَعَاهَا.
قَوْلُهُ (بَابُ الْكَبَاثِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُثَلَّثَةٌ.
قَوْلُهُ (وَهُوَ وَرَقُ الْأَرَاكِ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ مَشَايِخِهِ وَقَالَ: كَذَا فِي الرِّوَايَةِ، وَالصَّوَابُ ثَمَرُ الْأَرَاكِ انْتَهَى. وَوَقَعَ لِلنَّسَفِيِّ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَلِلْبَاقِينَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنِ بَطَّالٍ وَرَقُ الْأَرَاكِ، وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَهُوَ الْبَرِيرُ - يَعْنِي بِمُوَحَّدَةٍ وَزْنَ الْحَرِيرِ - فَإِذَا اسْوَدَّ فَهُوَ الْكَبَاثُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْكَبَاثُ ثَمَرُ الْأَرَاكِ الْغَضُّ مِنْهُ، وَالْبَرِيرُ ثَمَرُ الرُّطَبِ وَالْيَابِسِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُهُ وَرَقُ الْأَرَاكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَالَّذِي فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، وَقِيلَ هُوَ نَضِيجُهُ، فَإِذَا كَانَ طَرِيًّا فَهُوَ مَوْزٌ، وَقِيلَ عَكْسُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْكَبَاثَ الطَّرِيُّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ إِذَا يَبِسَ وَلَيْسَ لَهُ عَجَمٌ. قَالَ أَبُو زِيَادٍ: يُشْبِهُ التِّينَ يَأْكُلُهُ النَّاسُ وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: هُوَ حَارٌّ كَأَنَّ فِيهِ مِلْحًا انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: الْكَبَاثُ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَقِيلَ نَضِيجُهُ وَقِيلَ غَضُّهُ، قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ عَلَى الصَّوَابِ، كَذَا قَالَ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ وَرَقُ الْأَرَاكِ قِيلَ وَهُوَ خِلَافُ اللُّغَةِ.
قَوْلُهُ (بِمَرِّ الظَّهْرَانِ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَبْلَهَا مِيمٌ مَفْتُوحَةٌ وَالظَّاءُ مُعْجَمَةٌ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الظَّهْرِ، مَكَانٌ مَعْرُوفٌ على مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ.
قَوْلُهُ (نَجْنِي) أَيْ نَقْتَطِفُ.
قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ أَيْطَبُ) كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَهُوَ لُغَةٌ بِمَعْنَى أَطْيَبَ وَهُوَ مَقْلُوبُهُ، كَمَا قَالُوا جَذَبَ وَجَبَذَ.
قَوْلُهُ (فَقِيلَ أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟) فِي السُّؤَالِ اخْتِصَارٌ وَالتَّقْدِيرُ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ حَتَّى عَرَفْتَ أَطْيَبَ الْكَبَاثِ؟ لِأَنَّ رَاعِيَ الْغَنَمِ يُكْثِرُ تَرَدُّدَهُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ لِطَلَبِ الْمَرْعَى مِنْهَا وَالِاسْتِظْلَالِ تَحْتَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي رَعْيِ الْأَنْبِيَاءِ الْغَنَمَ فِي أَوَائِلِ الْإِجَارَةِ، وَأَفَادَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي اخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَا تُرْكَبُ فَلَا تَزْهُو نَفْسُ رَاكِبِهَا، قَالَ: وَفِيهِ إِبَاحَةُ أَكْلِ ثَمَرِ الشَّجَرِ الَّذِي لَا يُمْلَكُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقْوَاتِ، فَإِذْ قَدْ أَغْنَى اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْحِنْطَةِ أَوِ الْحُبُوبِ الْكَثِيرَةِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ فَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى ثَمَرِ الْأَرَاكِ. قُلْتُ: إِنْ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْإِشَارَةَ إِلَى كَرَاهَةِ تَنَاوُلِهِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مَا ذُكِرَ مَنْعُ مَا أُبِيحَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ أَكْثَرُ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يُشْتَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَكْمِلَةٌ:
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِسَنَدِهِ الْمَاضِي فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى جَابِرٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ يَوْمَ جُمْعَةٍ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ دُونَ التَّارِيخِ، يَعْنِي دُونَ قَوْلِهِ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِلَخْ وَهُوَ كما قَالَ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَحَدِ رُوَاتِهِ.
٥١ - بَاب الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ
٥٤٥٤ - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بن عبد الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ، فَأَكَلْنَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute