فَذَكَرَهَا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي تَفْسِيرِهِ. وَأَمَّا قِصَّةُ عَبَّادِ فَحَكَاهَا الْقُرْطُبِيُّ وَلَمْ يَعْزُهَا، وَعَبَّادُ اسْمُ جَدِّ أَبِي الْيَسَرِ، فَلَعَلَّهُ نَسَبَ ثُمَّ سَقَطَ شَيْءٌ. وَأَقْوَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ أَبُو الْيَسَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ أَتَى أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَيْضًا، وَقَالَ فِيهَا فَكُلُّ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ كَفَّارَةِ ذَلِكَ قَالَ: أَمُعْزِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَا أَدْرِي. حَتَّى أَنْزَلَ. فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِمَعْنَاهُ دُونَ قَوْلِهِ لَا أَدْرِي.
قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ)؟ أَيِ الْآيَةُ يَعْنِي خَاصَّةً بِي بِأَنَّ صَلَاتِي مُذْهِبَةٌ لِمَعْصِيَتِي. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ هُوَ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ. وَلِأَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِيَ خَاصَّةٌ أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةٌ؟ فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ وَقَالَ: لَا، وَلَا نِعْمَةُ عَيْنٍ، بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ عُمَرُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْيَسَرِ فَقَالَ إِنْسَانٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ خَاصَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ مُعَاذٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ وَحْدَهُ أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةٌ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ نَفْسِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ السَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ أَلِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ اسْتِفْهَامًا، وَقَوْلُهُ هَذَا مُبْتَدَأٌ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ عَلَيْهِ، وَفَائِدَتُهُ التَّخْصِيصُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي) تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ قَالَ: لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ. وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ الْمُرْجِئَةُ وَقَالُوا: إِنَّ الْحَسَنَاتَ تُكَفِّرُ كُلِّ سَيِّئَةٍ كَبِيرَةٍ كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةٍ، وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فَقَالَ طَائِفَةٌ: إِنِ اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ كَانَتِ الْحَسَنَاتُ كَفَّارَةً لِمَا عَدَا الْكَبَائِرِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِنْ لَمْ تُجْتَنَبُ الْكَبَائِرُ لَمْ تَحُطَّ الْحَسَنَاتُ شَيْئًا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ لَمْ تُجْتَنَبِ الْكَبَائِرُ لَمْ تَحُطَّ الْحَسَنَاتُ شَيْئًا مِنْهَا وَتَحُطُّ الصَّغَائِرُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ الْحَسَنَاتَ تَكُونُ سَبَبًا فِي تَرْكِ السَّيِّئَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ لَا أَنَّهَا تُكَفِّرُ شَيْئًا حَقِيقَةً، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ إِلَى أَنَّ الْحَسَنَاتَ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَيَرِدُ الْحَثُّ عَلَى التَّوْبَةِ فِي أَيِّ كَبِيرَةٍ، فَلَوْ كَانَتِ الْحَسَنَاتُ تُكَفِّرُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى التَّوْبَةِ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِمَا، وَعَلَى سُقُوطِ التَّعْزِيرِ عَمَّنْ أَتَى شَيْئًا مِنْهَا وَجَاءَ تَائِبًا نَادِمًا. وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.
١٢ - سُورَةُ يُوسُفَ
وَقَالَ فَضِيلٌ، عَنْ حَصِينِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مُتَّكَأً: الْأُتْرُجُّ. بِالْحَبَشِيَّةِ مُتَكَا. وقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مُتَّكَأً: كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ: عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعَ: مَكُّوكُ الْفَارِسِيَّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الْأَعَاجِمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونَ: تَجْهَلُونَ وَقَالَ غَيْرُهُ: غَيَابَةُ الْجُبِّ: كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ: الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَطْوِ. بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ. أَشُدُّهُ: قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ في النُّقْصَانِ، يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدَّ. وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأَتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ. وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الْأُتْرُجُّ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute