أَيُّوبَ لَفْظُ الِاخْتِصَارِ لِكَوْنِهِ يُفْهِمُ مَعْنًى آخَرَ غَيْرَ التَّخَصُّرِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، فَقَالَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: هُوَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو دَاوُدَ، وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَفْسِيرِهِ.
وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِصَارِ قِرَاءَةُ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ، وَقِيلَ: أَنْ يُحْذَفَ الطُّمَأْنِينَةُ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنَ الِاخْتِصَارِ مُمْكِنًا، لَكِنَّ رِوَايَةَ التَّخَصُّرِ وَالْخَصْرِ تَأْبَاهُمَا. وَقِيلَ: الِاخْتِصَارُ أَنْ يَحْذِفَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ إِذَا مَرَّ بِهَا فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ لِتِلَاوَتِهَا، حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُمْسِكَ بِيَدِهِ مِخْصَرَةً؛ أَيْ عَصًا يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْكَرَ هَذَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَأَبْلَغَ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدِيَّ عَلَى خَاصِرَتِي، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْهُ. وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لِأَنَّ إِبْلِيسَ أُهْبِطَ مُتَخَصِّرًا. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ مَوْقُوفًا. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْيَهُودَ تُكْثِرُ مِنْ فِعْلِهِ، فَنُهِيَ عَنْهُ كَرَاهَةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِمْ. أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عَائِشَةَ. زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِيهِ: فِي الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْحِقْوِ اسْتِرَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّاجِزِ حِينَ يُنْشِدُ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ، حَكَاهُ الْمُهَلَّبُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْمَصَائِبِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَمِيعِ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ فِي بَابِ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ اسْتِرَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ قَوْلَهُ: رُوِيَ. . إلَخْ إِلَّا مِنْ كَلَامِهِ، لَا مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَنْ رَوَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٨ - بَاب يُفْكِرُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ
وَقَالَ عُمَرُ ﵁: إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ
١٢٢١ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ﵁، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ.
١٢٢٢ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ الْأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ، فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلَا يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute