للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٢٢٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ تَفَكُّرِ الرَّجُلِ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ) الشَّيْءُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّجُلِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمُكَلَّفِينَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: التَّفَكُّرُ أَمْرٌ غَالِبٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلشَّيْطَانِ مِنَ السَّبِيلِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَلَكِنْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدِّينِ كَانَ أَخَفَّ مِمَّا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لِأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ). وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْهُ بِهَذَا سَوَاءٌ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَقِلُّ فِيهِ التَّفَكُّرُ، كَأَنْ يَقُولَ: أُجَهِّزُ فُلَانًا، أُقَدِّمُ فُلَانًا، أُخْرِجُ مِنَ الْعِدَدِ كَذَا وَكَذَا، فَيَأْتِي عَلَى مَا يُرِيدُ فِي أَقَلِّ شَيْءٍ مِنَ الْفِكْرَةِ. فَأَمَّا أَنْ يُتَابِعَ التَّفَكُّرَ وَيُكْثِرَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فهَذَا اللَّاهِي فِي صَلَاتِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ مَا يَأْبَاهُ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ. وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ، فَقَالَ: إِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ بِعِيرٍ جَهَّزْتُهَا مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى دَخَلَتِ الشَّامَ، ثُمَّ أَعَادَ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: صَلَّى عُمَرُ الْمَغْرِبَ، فَلَمْ يَقْرَأْ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ: صَدَقَ، فَأَعَادَ. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَا صَلَاةَ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ، إِنَّمَا شَغَلَنِي عِيرٌ جَهَّزْتُهَا إِلَى الشَّامِ فَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيهَا. . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ، لَا لِكَوْنِهِ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي الْفِكْرَةِ.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (١) بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ: إِنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّانِيَةُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا فَرَغَ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ. وَرِجَالُ هَذِهِ الْآثَارِ ثِقَاتٌ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْأَخِيرُ كَأَنَّهُ مَذْهَبٌ لِعُمَرَ. وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إِلَى مَسْأَلَةِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي مَكَانِهِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا رَوْحٌ) هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ، وَعُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَيْءٌ مِنْ فَوَائِدِهِ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، لِأَنَّهُ تَفَكَّرَ فِي أَمْرِ التِّبْرِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ جَعْفَرٍ) هُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ الْمِصْرِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ الْأَذَانِ مُسْتَوْفًى، وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَكُّرَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ


(١) كذا في الأصول التي في أيدينا، ولعل الصواب "عن عبد الرحمن" لأن ضمضم المذكور إنما روى عن عبد الله بن حنظلة وهو يكنى أبا عبد الرحمن، وليس له رواية عن عبد الرحمن بن حنظلة كما يعلم ذلك من "الاستيعاب" و "الإصابة" و "تهذيب التهذيب"