للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِأَنَّ اهْتِمَامَ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَكْثَرُ، وَلِهَذَا كُرِّرَا فِي الْقُرْآنِ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُذْكَرِ الصَّوْمُ وَالْحَجُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إِذَا وَجَبَتَا عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِالْفِدْيَةِ، وَالْحَجِّ فَإِنَّ الْغَيْرَ قَدْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ كَمَا فِي الْمَعْضُوبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ شُرِعَ. انْتَهَى. وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إِذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَخْلُ الشَّارِعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: فَإِذَا كَانَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ اكْتُفِيَ بِالْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ: الشَّهَادَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ وُجُودِ فَرْضِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ: (بَرَاءَةٌ) مَعَ أَنَّ نُزُولَهَا بَعْدَ فَرْضِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ قَطْعًا، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا.

أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ: وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْخَمْسَةَ: اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَبَدَنِيٌّ وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَمَالِيٌّ وَهُوَ الزَّكَاةُ. اقْتُصِرَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا لِتَفَرُّعِ الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الصَّوْمَ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ، وَالْحَجَّ بَدَنِيٌّ مَالِيٌّ، وَأَيْضًا فَكَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ شَاقَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ، وَالصَّلَوَاتُ شَاقَّةٌ لِتَكَرُّرِهَا، وَالزَّكَاةُ شَاقَّةٌ لِمَا فِي جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ مِنْ حُبِّ الْمَالِ، فَإِذَا أَذْعَنَ الْمَرْءُ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَانَ مَا سِوَاهَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٦٤ - بَاب صَلَاةِ الْإِمَامِ وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ

وَقَوْلِهِ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

١٤٩٧ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى.

[الحديث ١٤٩٧ - أطرافه في: ٤١٦٦، ٦٣٢٣، ٦٣٥٩]

قَوْلُهُ: (بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: عَطَفَ الدُّعَاءَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي التَّرْجَمَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ لَيْسَ مُحَتَّمًا بَلْ غَيْرُهُ مِنَ الدُّعَاءِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ الِانْحِصَارِ فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ بَعَثَ بِنَاقَةٍ حَسَنَةٍ فِي الزَّكَاةِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إِبِلِهِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ لِذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ مُدَاوَمَةُ النَّبِيِّ عَلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَهُ عَلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ قَالَ: ادْعُ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْإِمَامِ لِيُبْطِلَ شُبْهَةَ أَهْلِ الرِّدَّةِ فِي قَوْلِهِمْ لِلصِّدِّيقِ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ وَهَذَا خَاصٌّ بِالرَّسُولِ، فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ كُلَّ إِمَامٍ دَاخِلٌ فِي الْخِطَابِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ ابْنُ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ الْمُرَادِيُّ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا مِنَ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ لَا يُدَلِّسُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي بِلَفْظِ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ) فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: عَلَى آلِ فُلَانٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) يُرِيدُ أَبَا أَوْفَى نَفْسَهُ، لِأَنَّ الْآلَ يُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ أَبِي مُوسَى. لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ: وَقِيلَ: لَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي حَقِّ