للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ لَا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَا عَلَى الِاشْتِرَاطِ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ الْبُعْدُ عَنِ التَّرَفُّهِ وَالِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ، وَلِيَتَذَكَّرَ بِالتَّجَرُّدِ الْقُدُومَ عَلَى رَبِّهِ فَيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى مُرَاقَبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ) قِيلَ: عَدَلَ عَنْ طَرِيقَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إِشَارَةً إِلَى اشْتَرَاكِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ نُكْتَةَ الْعُدُولِ أَنَّ الَّذِي يُخَالِطُهُ الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ أَوْ لَا يَلْبَسُهُ. وَالْوَرْسُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ: نَبْتٌ أَصْفَرُ طَيِّبُ الرِّيحِ يُصْبَغُ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ الْوَرْسُ بِطِيبٍ، وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى اجْتِنَابِ الطِّيبِ وَمَا يُشْبِهُهُ فِي مُلَاءَمَةِ الشَّمِّ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّطَيُّبُ. وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ مَسَّهُ عَلَى تَحْرِيمِ مَا صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَلَوْ خَفِيَتْ رَائِحَتُهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: إِنَّمَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْمُصْبَغَاتِ لِأَنَّهَا تُنْفَضُ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا صَارَ الثَّوْبُ بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ لَمْ تَفُحْ لَهُ رَائِحَةٌ لَمْ يُمْنَعْ. وَالْحُجَّةُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي تَقَدَّمَ بِلَفْظِ: وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الثِّيَابِ إِلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ الْجِلْدَ. وَأَمَّا الْمَغْسُولُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِذَا ذَهَبَتِ الرَّائِحَةُ جَازَ؛ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِمَا رَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا. أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ.

وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ أَنْكَرَهُ عَلَى الْحِمَّانِيِّ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ: قَدْ كَتَبْتُهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَقَامَ فِي الْحَالِ فَأَخْرَجَ لَهُ أَصْلَهُ فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَهِيَ زِيَادَةٌ شَاذَّةٌ؛ لِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَإِنْ كَانَ مُتْقِنًا لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ عَنْ غَيْرِ الْأَعْمَشِ مَقَالٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَبُو مُعَاوِيَةَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجِئْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ غَيْرُهُ. قُلْتُ: وَالْحِمَّانِيُّ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَابَعَهُ فِيهِ مَقَالٌ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُهَلَّبُ عَلَى مَنْعِ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاسْتَنْبَطَ مَنْ مَنَعَ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ مَنْعَ أَكْلِ الطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ الزَّعْفَرَانُ؛ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللُّبْسُ وَالتَّطَيُّبُ، وَالْآكِلُ لَا يُعَدُّ مُتَطَيِّبًا.

(تَنْبِيهٌ): زَادَ الثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَلَا الْقَبَاءَ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ ابْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا. وَالْقَبَاءُ بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَعْرُوفٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ثَوْبٍ مُفَرَّجٍ، وَمَنْعُ لُبْسِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَا إِذَا أَلْقَاهُ عَلَى كَتِفَيْهِ، وَوَافَقَهُ أَبُو ثَوْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ نَظِيرَهُ إِنْ كَانَ كُمُّهُ ضَيِّقًا، فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَلَا.

٢٢ - بَاب الرُّكُوبِ وَالِارْتِدَافِ فِي الْحَجِّ

١٥٤٣، ١٥٤٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ أُسَامَةَ ﵁ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ الْمزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ: فَكِلَاهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ ﷺ