للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَقْطُوعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُهُ، وَكَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ صَارَا كَالنَّعْلَيْنِ جَازَ، وَإِلَّا مَتَى سَتَرَا مِنْ ظَاهِرِ الرِّجْلِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا لِلْفَاقِدِ. وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْوِجْدَانِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ؛ إِمَّا لِفَقْدِهِ، أَوْ تَرْكِ بَذْلِ الْمَالِكِ لَهُ وَعَجْزِهِ عَنِ الثَّمَنِ إِنْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ أَوِ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ إِلَّا إِنْ أُعِيرَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (فَلْيَلْبَسْ) ظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، لَكِنَّهُ لَمَّا شُرِعَ لِلتَّسْهِيلِ لَمْ يُنَاسِبِ التَّثْقِيلَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلرُّخْصَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْمَاضِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ: حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ. وَالْمُرَادُ كَشْفُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ؛ وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَيؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِذَا اضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إِلَى الْخُفَّيْنِ خَرَقَ ظُهُورَهُمَا وَتَرَكَ فِيهِمَا قَدْرَ مَا يَسْتَمْسِكُ رِجْلَاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْكَعْبُ هُنَا هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وأنَّ السَّبَبَ فِي نَقْلِهِ عَنْهُ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ، فَأَشَارَ مُحَمَّدٌ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَنَقَلَهُ هِشَامٌ إِلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ، وَبِهَذَا يُتَعَقَّبُ عَلَى مَنْ نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، كَابْنِ بَطَّالٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْكَعْبَ هُوَ الشَّاخِصُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَنْهُ - أَنْ يَكُونَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِيَّةِ - أَنَّ الْكَعْبَ عَظْمٌ مُسْتَدِيرٌ تَحْتَ عَظْمِ السَّاقِ حَيْثُ مَفْصِلُ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ قَدَمٍ كَعْبَيْنِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ ﷺ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ أَجَازَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ بِلَفْظِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِهَا هُنَا. وَأَجَابَ الْحَنَابِلَةُ بِأَشْيَاءَ؛ مِنْهَا دَعْوَى النَّسْخِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَهُ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَهُ، وَقَالَ: انْظُرُوا أَيُّ الْحَدِيثَيْنِ قُبِلَ، ثُمَّ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا فِي الْأُمِّ فَقَالَ: كِلَاهُمَا صَادِقٌ حَافِظٌ، وَزِيَادَةُ ابْنِ عُمَرَ لَا تُخَالِفُ ابْنَ عَبَّاسٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَزَبَتْ عَنْهُ أَوْ شَكَّ، أَوْ قَالَهَا فَلَمْ يَقُلْهَا عَنْهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ، انْتَهَى.

وَسَلَكَ بَعْضُهُمُ التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ اخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي رَفْعِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ تَعْلِيلٌ مَرْدُودٌ، بَلْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي رَفْعِ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ. عَلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا؛ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا يَرْتَابُ أَحَدٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ جَاءَ بِإِسْنَادٍ وُصِفَ بِكَوْنِهِ أَصَحَّ الْأَسَانِيدِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ، بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَأْتِ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ، حَتَّى قَالَ الْأَصِيلِيُّ: إِنَّهُ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ لَا يُعْرَفُ، كَذَا قَالَ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مَوْصُوفٌ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّرَاوِيلِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ عَطَاءٍ: إِنَّ الْقَطْعَ فَسَادٌ،