وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا وَبَيَانُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ مِنْ قَوْلِهِ كَامِلَةً وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ نُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ الْآيَةَ، كَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَدَقَّقَ فِي ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ قَالَ: نَزَلَتْ (بَرَاءَةٌ) وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا عَلَى الْحَجِّ، فَقِيلَ: لَوْ بَعَثْتَ بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: اخْرُجْ بِصَدْرِ (بَرَاءَةٍ)، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى إِذَا اجْتَمَعُوا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحْرِزِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ يَشِيعَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ؟ قَالَ: بِأَرْبَعٍ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَحَّحَهُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ هُنَا ذِكْرُ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ الْوُفُودِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوُفُودِ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَمَا بَعْدَهَا، بَلْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ الْوُفُودَ كَانُوا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ. نَعَمِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَتْ سَنَةُ تِسْعٍ تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَلُومُ بِإِسْلَامِهَا الْفَتْحَ الْحَدِيثَ. فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ كَمَا قَدَّمْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا فِي تَقْدِيمِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَدْ سَرَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الْوُفُودَ، وَتَبِعَهُ الدِّمْيَاطِيُّ فِي السِّيرَةِ الَّتِي جَمَعَهَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، وَمُغْلَطَايُ، وَشَيْخُنَا فِي نَظْمِ السِّيرَةِ وَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرُوهُ يَزِيدُ عَلَى السِّتِّينَ.
٦٧ - بَاب وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ
٤٣٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵄ قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَرُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ) أَيِ: ابْنُ مُرٍّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، ابْنِ أُدٍّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، ابْنِ طَابِخَةَ بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، ابْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَشْرَافَ بَنِي تَمِيمٍ قَدِمُوا عَلَى النبي -
ﷺ مِنْهُمْ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ الدَّارِمِيُّ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الدَّارِمِيُّ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ السَّعْدِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ الْمَنْقَرِيُّ، وَالْحُبَابُ بْنُ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيُّ، وَنُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمَنْقَرِيُّ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَكَانَ الْأَقْرَعُ، وَعُيَيْنَةُ شَهِدَا الْفَتْحَ، ثُمَّ كَانَا مَعَ بَنِي تَمِيمٍ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي قَوْلِهِ ﷺ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute