يَرَى بِهَا مَنْ وَرَاءَهُ دَائِمًا، وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلُ سَمِّ الْخِيَاطِ يُبْصِرُ بِهِمَا لَا يَحْجُبُهُمَا ثَوْبٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ صُوَرُهُمْ تَنْطَبِعُ فِي حَائِطِ قِبْلَتِهِ كَمَا تَنْطَبِعُ فِي الْمِرْآةِ فَيَرَى أَمْثِلَتَهُمْ فِيهَا فَيُشَاهِدُ أَفْعَالَهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا خُشُوعُكُمْ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ السُّجُودَ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَايَةَ الْخُشُوعِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالسُّجُودِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي لَأَرَاكُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.
٤١٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لنا النَّبِيُّ ﷺ صَلَاةً، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ: إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ.
[الحديث ٤١٩ - طرفاه في: ٦٦٤٤، ٧٤٢]
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (صَلَّى لَنَا) أَيْ لِأَجْلِنَا. وَقَوْلُهُ: (صَلَاةٌ) بِالتَّنْكِيرِ لِلْإِبْهَامِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ رَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَعْدُ (إِنِّي لَأَرَاكُمْ) عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ تَقَدُّمَ الظَّرْفِ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي الرُّكُوعِ) أفَرْده بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ اهْتِمَاما بِهِ إِمَّا لِكَوْنِ التَّقْصِيرِ فِيهِ كَانَ أَكْثَرَ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِتَمَامِهَا بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا أَرَاكُمْ) يَعْنِي مِنْ أَمَامِي. وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي. وَلِمُسْلِمٍ: إِنِّي لَأُبْصِرُ مَنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مَنْ بَيْنَ يَدَيَّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْإِبْصَارُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَحَكَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يُبْصِرُ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يُبْصِرُ فِي الضَّوْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى إِتْمَامِ أَرْكَانِهَا وَأَبْعَاضِهَا، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَبِّهَ النَّاسَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ رَأَى مِنْهُمْ مَا يُخَالِفُ الْأُولَى. وَسَأَذْكُرُ حُكْمَ الْخُشُوعِ فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٤١ - بَاب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ
٤٢٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ. وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا.
[الحديث ٤٢٠ - أطرافه في: ٧٣٣٦، ٢٨٧٠، ٢٨٦٩، ٢٨٦٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَفِيهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَزُرَيْقٌ بِتَقْدِيمِ الزَّاي مُصَغَّرا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ إِضَافَةِ الْمَسَاجِدِ إِلَى بَانِيهَا أَوِ الْمُصَلِّي فِيهَا، وَيَلْتَحِقُ بِهِ جَوَازُ إِضَافَةِ أَعْمَالِ الْبِرِّ إِلَى أَرْبَابِهَا، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ عَلِمَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِضَافَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ وَيَقُولُ: مُصَلَّى بَنِي فُلَانٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي مِثْلِ هَذَا