وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لَعَمْرُ اللَّهِ) أَيْ: هَلْ يَكُونُ يَمِينًا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ لَعَمْرِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ أَثَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحِجْرِ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ وَصَلَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - لَعَمْرُكَ أَيْ حَيَاتُكَ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْعُمْرُ بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ خُصَّ الْحَلِفُ بِالثَّانِي قَالَ الشَّاعِرُ: عَمْرُكَ اللَّهَ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ أَيْ: سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُطِيلَ عُمُرَكَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجُ: الْعُمْرُ الْحَيَاةُ، فَمَنْ قَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ كَأَنَّهُ حَلَفَ بِبَقَاءِ اللَّهِ، وَاللَّامُ لِلتَّوْكِيدِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا أُقْسِمُ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ ; لِأَنَّ بَقَاءَ اللَّهِ مِنْ صِفَةِ ذَاتِهِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُعْجِبُنِي الْحَلِفُ بِذَلِكَ. وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ لَعَمْرِي.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ: لَا تَكُونُ يَمِينًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْحَقِّ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومُ وَبِالْحَقِّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْمَذْهَبَيْنِ، وَالرَّاجِحُ عَنْهُ كَالشَّافِعِيِّ.
وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ لِلَّهِ أَنْ يُقْسِمَ مِنْ خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ. وَقَدْ عَدَّ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ فِي فَضَائِلِ النَّبِيِّ ﷺ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي الْوَاوِ وَالْبَاءِ وَالتَّاءِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابُ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ ﷺ.
ثُمَّ ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ وَقَدْ مَضَى شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ النُّورِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مِنْ رِوَايَةِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَعَمْرُ إِلَهِكَ وَكَرَّرَهَا، وَهُوَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ.
١٤ - بَاب ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
٦٦٦٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ الْآيَةِ ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ آيَةُ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَضَى هُنَاكَ تَفْسِيرُ اللَّغْوِ، وَتَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ لِكَوْنِهَا شَهِدَتِ التَّنْزِيلَ فَهِيَ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْمُرَادِ، وَقَدْ جَزَمَتْ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَرْفُوعًا فِي قِصَّةِ الرُّمَاةِ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا رَمَى حَلَفَ أَنَّهُ أَصَابَ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَخْطَأَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيْمَانُ الرُّمَاةِ لَغْوٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا وَلَا عُقُوبَةَ.
وَهَذَا لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْتَمِدُونَ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةٍ: لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ يَظُنُّهُ، ثُمَّ يَظْهَرُ خِلَافُهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي، وَقِيلَ: يَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِأَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ ظَنًّا مِنْهُ، ثُمَّ يَظْهَرُ بِخِلَافِ مَا حَلَفَ، وَبِهِ قَالَ