للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبَا نُعَيْمٍ، أَبُو أُسَامَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَوَافَقَ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ، وَكِيعٌ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَرِوَايَةُ زُهَيْرٍ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي التَّفْسِيرِ كَرِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، لَكِنْ قَالَ فِيهَا: فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَسْوَدَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَحَمَلَ عَنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَحْمِلْهُ الْآخَرُ، وَحَمَلَ عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْأَمْرَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا، وَمَرَّةً هَكَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَسْوَدِ عَلَى لَفْظٍ آخَرَ، أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَ عَنْكَ. وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي أَوَّلِهِ: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ - فِيمَا ظَهَرَ لِي - غَيْرُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا: صَاحِبَكَ وَتِلْكَ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا: شَيْطَانَكَ. وَهَذِهِ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَتِلْكَ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا: يَا مُحَمَّدُ.

وَسِيَاقُ الْأُولَى يُشْعِرُ بِأَنَّهَا قَالَتْه تَأَسُّفًا وَتَوَجُّعًا، وَسِيَاقُ الثَّانِيَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا قَالَتْهُ تَهَكُّمًا وَشَمَاتَةً. وَقَدْ حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ تَفْسِيرِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: قَالَتْ خَدِيجَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ حِينَ أَبْطَأَ عَنْهُ الْوَحْيُ: إِنَّ رَبَّكَ قَدْ قَلَاكَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَالضُّحَى﴾، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْإِنْكَارِ، لِأَنَّ خَدِيجَةَ قَوِيَّةُ الْإِيمَانِ، لَا يَلِيقُ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَيْهَا، لَكِنَّ إِسْنَادَ ذَلِكَ قَوِيٌّ، أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ، وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لَهُ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، لَكِنْ لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهَا عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا: شَيْطَانَكَ، وَهَذِهِ هِيَ اللَّفْظَةُ الْمُسْتَنْكَرَةُ فِي الْخَبَرِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ: مَا أَرَى صَاحِبَكَ بَدَلَ رَبَّكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَنَتْ بِذَلِكَ جِبْرِيلَ.

وَأَغْرَبَ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ، فَرَوَى فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ، وَغَلِطَ سُنَيْدٌ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، فَقَالَ فِيهِ: قَالَتْ خَدِيجَةُ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ الَّتِي عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا: شَيْطَانَكَ فَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ الْعَوْرَاءُ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَامْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ، كَمَا رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ لَمَّا مَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ أَيَّامًا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ، فَنَزَلَتْ: وَالضُّحَى. رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ قَوْمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ مِنْ قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَعِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهَا إِحْدَى عَمَّاتِهِ، وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى مُسْتَنَدِهِ فِي ذَلِكَ؛ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ رَاوِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: فَأَتَتْهُ إِحْدَى عَمَّاتِهِ، أَوْ بَنَاتُ عَمِّهِ، فَقَالَتْ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ وَدَّعَكَ.

(تَنْبِيهٌ): اسْتَشْكَلَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْوَرْدِ مُطَابَقَةَ حَدِيثِ جُنْدُبٍ لِلتَّرْجَمَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ التِّينِ، فَقَالَ: احْتِبَاسُ جِبْرِيلَ لَيْسَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَوْضِعِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ - بِسِيَاقِ تَكْمِلَةِ الْمَتْنِ - وَجْهُ الْمُطَابَقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ مَخْرَجِهِ، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مُخْتَلِفًا، لَكِنَّهُ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جُنْدُبٍ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا: فَلَمْ يُطِقِ الْقِيَامَ، وَكَانَ يُحِبُّ التَّهَجُّدَ.

٥ - بَاب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ، وَطَرَقَ النَّبِيُّ ﷺ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا ﵉ لَيْلَةً لِلصَّلَاةِ