هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى تَدْلِيسِ التَّسْوِيَةِ، وَعَابَهُ بِذَلِكَ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبَ فِي تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ) كَذَا ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، وَالْمَعْنَى نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، أَيِ: الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي قِصَّتِهِ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ﴾ الْآيَةَ، وَقَدْ غَفَلَ الدَّاوُدِيُّ عَنْ هَذَا الْمُرَادِ فَقَالَ: هَذَا وَهَمٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ خَرَجَ عَلَى جَيْشٍ فَغَضِبَ فَأَوْقَدُوا نَارًا، وَقَالَ: اقْتَحِمُوهَا فَامْتَنَعَ بَعْضٌ، وَهَمَّ بَعْضٌ أَنْ يَفْعَلَ. قَالَ: فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلُ فَكَيْفَ يُخَصُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بِالطَّاعَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدُ فَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ: إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ، وَمَا قِيلَ لَهُمْ: لِمَ لَمْ تُطِيعُوا؟ انْتَهَى. وَبِالْحَمْلِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ يَظْهَرُ الْمُرَادُ، وَيَنْتَفِي الْإِشْكَالُ الَّذِي أَبْدَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي امْتِثَالِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يُطِيعُوهُ وَقَفُوا عِنْدَ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ، وَالَّذِينَ امْتَنَعُوا عَارَضَهُ عِنْدَهُمُ الْفِرَارُ مِنَ النَّارِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَنْزِلَ فِي ذَلِكَ مَا يُرْشِدُهُمْ إِلَى مَا يَفْعَلُونَهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَهُوَ الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، أَيْ: إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي جَوَازِ الشَّيْءِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ فَارْجِعُوا إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي قِصَّةٍ جَرَتْ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَكَانَ خَالِدٌ أَمِيرًا، فَأَجَارَ عَمَّارٌ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَتَخَاص مَا فَنَزَلَتْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَالِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ أَمِيرِهَا فِي الْمَغَازِي بَعْدَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ بِقَلِيلٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِأُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: هُمُ الْأُمَرَاءُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَخْرَجَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَغَيْرِهِ نَحْوَهُ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ: هُمُ الْعُلَمَاءُ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصَحَّ مِنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُمُ الصَّحَابَةُ، وَهَذَا أَخَصُّ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَارَةَ وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى أَمِيرٍ، فَأُمِرُوا بِالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ: مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ حَمْلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي سَبَبٍ خَاصٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٢ - بَاب ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾
٤٥٨٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنْ الْحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟! فَتَلَوَّنَ وَجْهُه، ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ ﷺ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾.
قَوْلُهُ: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ سَقَطَ (بَابُ) لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الزُّبَيْرِ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الشِّرْبِ، بَيَّنْتُ هُنَاكَ الِاخْتِلَافَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute