للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْخَيْرَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَأَثْنَى عَلَى مَنْ وَفَّى وَثَبَتَ عِنْدَ الْقِتَالِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَدَّمَ عَلَى الْقِتَالِ قَوْلًا غَيْرَ مَرَضِيٍّ فَكَشَفَ الْغَيْبَ أَنَّهُ أَخْلَفَ، فَمَفْهُومُهُ ثُبُوتُ الْفَضْلِ فِي تَقْدِيمِ الصِّدْقِ وَالْعَزْمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْوَفَاءِ وَذَلِكَ مِنْ أَصْلَحِ الْأَعْمَالِ انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ فِيمَا أَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ فِي آخِرهَا ﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ لِأَنَّ الصَّفَّ فِي الْقِتَالِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ الْقِتَالِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: مَرْصُوصٌ فِي التَّفْسِيرِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ) هُوَ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ابْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَتَى النَّبِيَّ Object رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّبِيتِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَمْكَنَ تَفْسِيرُهُ بِعَمْرِو بْنِ ثَابِتِ بْنِ وَقَشٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْقَافِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَصْرَمَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَإِنَّ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْأَوْسِ وَهُمْ غَيْرُ بَنِي النَّبِيتِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَخْبِرُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً؟ ثُمَّ يَقُولُ: هُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ الْحُصَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: كَيْفَ كَانَتْ قِصَّتُهُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بَدَا لَهُ فَأَخَذَ سَيْفَهُ حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ فَدَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ فَقَاتَلَ حَتَّى وَقَعَ جَرِيحًا، فَوَجَدَهُ قَوْمُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ؟ أَشَفَقَةً عَلَى قَوْمِكَ، أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، قَاتَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ Object حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ Object: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَمْرُو يَأْبَى الْإِسْلَامَ لِأَجْلِ رِبًا كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ: أَيْنَ قَوْمِي؟ قَالُوا بِأُحُدٍ،

فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَلَحِقَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا، قَالَ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَقَاتَلَ حَتَّى جُرِحَ، فَجَاءَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: خَرَجْتَ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَا صَلَّى صَلَاةً. فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِينَ رَأَوْهُ وَقَالُوا لَهُ: إِلَيْكَ عَنَّا، نَاسٌ غَيْرُ قَوْمِهِ، وَأَمَّا قَوْمُهُ فَمَا شَعُرُوا بِمَجِيئِهِ حَتَّى وَجَدُوهُ فِي الْمَعْرَكَةِ. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ جَاءَ أَوَّلًا إِلَى النَّبِيِّ Object فَاسْتَشَارَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ، فَرَآهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ إِلَيْكَ عَنَّا. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ قَوْلُهُ لَهُمْ قَاتَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ Object وَكَأَنَّ قَوْمَهُ وَجَدُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ مَا قَالُوا.

وَيُؤَيِّدُ الْجَمْعَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ Object لَوْ أَنِّي حَمَلْتُ عَلَى الْقَوْمِ فَقَاتَلْتُ حَتَّى أُقْتَلَ أَكَانَ خَيْرًا لِي وَلَمْ أُصَلِّ صَلَاةً؟ قَالَ نَعَمْ وَنَحْوُهُ لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ قَالَ أَخَيْرٌ لِي أَنْ أُسْلِمَ؟ قَالَ: نَعَمْ: فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَا صَلَّى لِلَّهِ صَلَاةً وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَنُسِبَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِلَى بَنِي النَّبِيتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي بَنِي النَّبِيتِ نِسْبَةٌ مَا، فَإِنَّهُمْ إِخْوَةُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَجْمَعُهُمُ الِانْتِسَابُ إِلَى الْأَوْسِ.

قَوْلُهُ: (مُقَنَّعٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونُ مُشَدَّدَةٌ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ بِآلَةِ الْحَرْبِ.

قَوْلُهُ: (وَأُجِرَ كَثِيرًا) بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ أَيْ أُجِرَ أَجْرًا كَثِيرًا، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَجْرَ الْكَثِيرَ قَدْ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَإِحْسَانًا.

١٤ - بَاب مَنْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ

٢٨٠٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا