وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَجَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ بِأَنَّهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَانِيدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُتَابَعَاتِ غَيْرَ هَذَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) قِيلَ: إِنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ هِدْرَامَ بْنِ أَرْفَخْشَد بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَأَنَّهُ وَلَدَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا كُلُّهُمْ كَانَ فَارِسًا شُجَاعًا فَسُمُّوا الْفُرْسَ لِلْفُرُوسِيَّةِ، وَقِيلَ فِي نَسَبِهِمْ أَقْوَالٌ أُخْرَى.
وَقَالَ صَاعِدٌ فِي الطَّبَقَاتِ: كَانَ أَوَّلُهُمْ عَلَى دِينِ نُوحٍ، ثُمَّ دَخَلُوا فِي دِينِ الصَّابِئَةِ فِي زَمَنِ طَمْهُورِثَ فَدَامُوا عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ سَنَةٍ، ثُمَّ تَمَجَّسُوا عَلَى يَدِ زَرَادِشْتَ. وَقَدْ أَطْنَبَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَّلِ تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَخْرِيجِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ، أَعْنِي حَدِيثَ لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ كان عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَدَرَ عِنْدَ نُزُولِ كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مُجَرَّدًا عَنِ السَّبَبِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلُوهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ بِرِقَّةِ قُلُوبِهِمْ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ بِالزِّيَادَةِ، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَزَادَ فِيهِ يَتَّبِعُونَ سُنَّتِي، وَيُكْثِرُونَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَعَ مَا قَالَهُ ﷺ عِيَانًا، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنِ اشْتَهَرَ ذِكْرُهُ مِنْ حُفَّاظِ الْآثَارِ وَالْعِنَايَةِ بِهَا مَا لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ النَّسَبِ فِي أَصْلِ فَارِسَ، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَنْتَهِي نَسَبُهُمْ إِلَى جِيُومَرْتَ وَهُوَ آدَمُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَقِيلَ: مِنْ ذُرِّيَّةِ لَاوِي بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَقِيلَ: هُوَ فَارِسُ بْنُ يَاسُورَ بْنِ سَامٍ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ وَلَدِ هِدْرَامِ بْنِ أَرْفَخْشَد بْنِ سَامٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَهُمْ، وَالَّذِي يَلِيهِ أَرْجَحُهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ.
٢ - بَاب ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا﴾
٤٨٩٩ - حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾
قَوْلُهُ: بَابُ: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً﴾ حَسْبُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَلَمْ يَقُلْ إِلَيْهِمَا اهْتِمَامًا بِالْأَهَمِّ، إِذْ كَانَتْ هِيَ سَبَبُ اللَّهْوِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِـ أَوْ لَا يُثَنَّى مَعَهُ الضَّمِيرُ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ أَوْ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ أَوْ عَلَى بَابِهَا، فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ جِيءَ بِضَمِيرِ التِّجَارَةِ دُونَ ضَمِيرِ اللَّهْوِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ اخْتِلَافِ النَّقَلَةِ فِي سَبَبِ انْفِضَاضِهِمْ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْحَوْضِيُّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حُصَيْنُ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ) يَعْنِي كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ وَحْدَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى سَالِمٍ، وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانَ وَاسْمُهُ