للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا إِنْ أَضَافَ إِلَيْهِ بِاللَّهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْقَصْدِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ مَالِكٍ كَالرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَطْلَقَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ فِي الْأَيْمَانِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ، وَكَذَا ثَبَتَ فِي اللِّعَانِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِاللِّعَانِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ صَرِيحًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَلَفُوا مَعَ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ عَوَانَةَ كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفًا وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَسِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ يَمِينٌ لَا يَمِينَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشَّاهِدُ يَمِينُ الْحَالِفِ، فَمَنْ قَالَ: أَشْهَدُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَمَنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَقَدْ قَرَأَ الضَّحَّاكُ اتَّخَذُوا إِيمَانَهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ تَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ حَمَلَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْيَمِينِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْحَلِفِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَشَيْبَانُ فِي السَّنَدِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ، وَعَبِيدَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ ابْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ.

قَوْلُهُ: (تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ: أَيْ يُكْثِرُونَ الْأَيْمَانَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ لَهُمْ عَادَةً فَيَحْلِفُ أَحَدُهُمْ حَيْثُ لَا يُرَادُ مِنْهُ الْيَمِينُ وَمِنْ قَبْلِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ يَحْلِفُ عَلَى تَصْدِيقِ شَهَادَتِهِ قَبْلَ أَدَائِهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا إِذَا صَدَرَ مِنَ الشَّاهِدِ قَبْلَ الْحُكْمِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ التَّسَرُّعُ إِلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ وَالْحِرْصُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يَدْرِي بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَصْحَابُنَا) يَعْنِي مَشَايِخُهُ وَمَنْ يَصْلُحُ مِنْهُ اتِّبَاعُ قَوْلِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ بِلَفْظِ يَضْرِبُونَنَا بَدَلَ يَنْهَوْنَا.

قَوْلُهُ (أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ) أَيْ أَنْ يَقُولَ أَحَدُنَا: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.

١١ - بَاب عَهْدِ اللَّهِ ﷿

٦٦٥٩ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَوْ قَالَ أَخِيهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾

٦٦٦٠ - قَالَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَرَّ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالُوا لَهُ. فَقَالَ الْأَشْعَثُ: نَزَلَتْ فِيَّ وَفِي صَاحِبٍ لِي فِي بِئْرٍ كَانَتْ بَيْنَنَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ عَهْدِ اللَّهِ ﷿ أَيْ قَوْلُ الْقَائِلِ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. قَالَ الرَّاغِبُ: الْعَهْدُ حِفْظُ الشَّيْءِ وَمُرَاعَاتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِلْوَثِيقَةِ عُهْدَةٌ. وَيُطْلَقُ عَهْدُ اللَّهِ عَلَى مَا فَطَرَ عَلَيْهِ عِبَادَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ عِنْدَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ، وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا مَا أَمَرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُؤَكَّدًا، وَمَا الْتَزَمَهُ الْمَرْءُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالنَّذْرِ. قُلْتُ: وَلِلْعَهْدِ مَعَانٍ