عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ فَقَالَ: إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ لَا يُرَدُّ السَّلَامُ فِي الصَّلَاةِ)؛ أَيْ بِاللَّفْظِ الْمُتَعَارَفِ، لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا رَدَّهُ بِلَفْظِ الدُّعَاءِ، كَأَنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ السَّلَامَ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ.
قَوْلُهُ: (شِنْظِيرٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ، وَهُوَ عَلَمٌ عَلَى وَالِدِ كَثِيرٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ السَّيِّئُ الْخُلُقِ.
قَوْلُهُ: (بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ فِي حَاجَةٍ) بَيَّنَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى: فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ؛ أَيْ بِاللَّفْظِ. وَكَأَنَّ جَابِرًا لَمْ يَعْرِفْ أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الرَّدُّ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ؛ أَيْ مِنَ الْحُزْنِ. وَكَأَنَّهُ أَبْهَمَ ذَلِكَ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ شِدَّتِهِ تَحْتَ الْعِبَارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَجَدَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْجِيمِ؛ أَيْ غَضِبَ.
قَوْلُهُ: (أَنِّي أَبْطَأْتُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ أَبْطَأْتُ بِنُونٍ خَفِيفَةٍ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ)؛ أَيْ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ) أَيِ السَّلَامَ (إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي) وَلِمُسْلِمٍ: فَرَجَعْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَوَجْهُهُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ: كَرَاهَةُ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي لِكَوْنِهِ رُبَّمَا شُغِلَ بِذَلِكَ فَكُرِهَ، وَاسْتَدْعَى مِنْهُ الرَّدَّ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ (١) وَقَالُوا: يَرُدُّ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ - أَوْ وَهُوَ فِيهَا - بِالْإِشَارَةِ. وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُهُمْ فِي الْإِشَارَةِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ سُجُودِ السَّهْوِ.
١٦ - بَاب رَفْعِ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ
١٢١٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁، قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ﵄، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَأَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ. وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ، قَالَ سَهْلٌ: التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ يَدَهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا
(١) هذا القول أصح، لأن الرسول ﷺ لم ينكر على من سلم عليه وهو يصلي، بل ثبت عنه أنه رد عليهم بالإشارة، فدل ذلك على مشروعية السلام على المصلي وأنه يرد بالإشارة. والله أعلم