وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ كَوْنُهُ كَانَ فِي النُّسُكِ، وَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ ثَبَتَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ التَّخْصِيصُ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّائِمِ يَمُوتُ هَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجِبَ قَضَاءُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْهُ أَوْ لَا يَبْطُلُ؟ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ لَيْسَ لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ لَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، بَلْ هُوَ صِيَانَةٌ لِلرَّأْسِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ غَطَّوْا وَجْهَهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ اهـ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ قَالَ: يُغَطِّي الْمُحْرِمُ مِنْ وَجْهِهِ مَا دُونَ الْحَاجِبَيْنِ أَيْ: مِنْ أَعْلَى. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا دُونَ عَيْنَيْهِ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَزِيدَ الِاحْتِيَاطِ لِكَشْفِ الرَّأْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَكْمِلَةٌ): كَانَ وُقُوعُ الْمُحْرِمِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ مِنْ عَرَفَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ الْوَاقِفِ عَلَى الرَّاكِبِ، وَاسْتِحْبَابُ دَوَامِ التَّلْبِيَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ بِالتَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ، وَجَوَازُ غَسْلِ الْمُحْرِمِ بِالسِّدْرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعَدُّ طِيبًا. وَحَكَى الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ سِدْرِ الْحَرَمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ): لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْمُحْرِمِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَزَعَمَ أَنَّ اسْمَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَزَاهُ لَابْنِ قُتَيْبَةَ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي، وَسَبَبُ الْوَهْمِ أَنَّ ابْنَ قُتَيْبَةَ لَمَّا ذَكَرَ تَرْجَمَةَ عُمَرَ ذَكَرَ أَوْلَادَهُ وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَوْلَادَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ فِيهِمْ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: وَقَعَ عَنْ بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهَلَكَ، فَظَنَّ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ أَنَّ لِوَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ صُحْبَةً، وَأَنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ؛ فَإِنَّ وَاقِدًا الْمَذْكُورَ لَا صُحْبَةَ لَهُ، فَإِنَّ أُمَّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي خِلَافَةِ أَبِيهِ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهَا، وَذَكَرَهَا الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُ فِي التَّابِعِينَ، وَوَجَدْتُ فِي الصَّحَابَةِ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ آخَرَ، لَكِنْ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ بَعِيرِهِ فَهَلَكَ، بَلْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَبَطَلَ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ بِأَنَّهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
١٤ - بَاب الِاغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأْسًا
١٨٤٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ. فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ ﷺ يَفْعَلُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الِاغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ) أَيْ: تَرَفُّهًا وَتَنَظُّفًا وَتَطَهُّرًا مِنَ الْجَنَابَةِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute