للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: فَلِمَ قَالَ بِلَفْظِ: قَالَ وَثَانِيًا بِلَفْظِ: كَانَ يَقُولُ؟ قُلْتُ: لَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَرَّةً، وَهَذَا كَانَ يَقُولُهُ دَائِمًا مُكَرِّرًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ حَذْفِ الْمَرْأَةِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ: لَا تَتَنَقَّبُ مِنَ التَّفَعُّلِ، وَالثَّانِي مِنَ الِافْتِعَالِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّانِي بِضَمِّ الْبَاءِ عَلَى سَبِيلِ النَّفْيِ لَا غَيْرَ، وَالْأَوَّلَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ نَفْيًا وَنَهْيًا. انْتَهَى كَلَامُهُ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ) أَيْ: تَابَعَ مَالِكًا فِي وَقْفِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَا تَنْتَقِبُ أَيْ: لَا تَسْتُرُ وَجْهَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْعِهَا مِنْ سَتْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا بِمَا سِوَى النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ.

قَوْلُهُ: (مَسَّهُ وَرْسٌ. . . إِلَخْ) مَفْهُومُهُ جَوَازُ مَا لَيْسَ فِيهِ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ، لَكِنْ أَلْحَقَ الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ أَنْوَاعَ الطِّيبِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِك، وَالْوَرْسُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ فِي مُفْرَدَاتِهِ: الْوَرْسُ يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ، وَلَيْسَ بِنَبَاتٍ، بَلْ يُشْبِهُ زَهْرَ الْعُصْفُرِ، وَنَبْتُهُ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْبَنَفْسِجَ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْكُرْكُمَ عُرُوقُهُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَالْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ.

قَوْلُهُ: (وَقَصَتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ كَفَنِ الْمُحْرِمِ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ بَيَانُ اخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا قَوْلُهُ: وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِلَفْظِ: وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَهُوَ مِنَ الْحَنُوطِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَهُوَ الطِّيبُ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ: (يُبْعَثُ مُلَبِّيًا) (١) أَيْ: عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا. وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ إِحْرَامِهِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ تَمَسَّكُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظَةٍ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَنْ مَاتَ مُحْرِمًا، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: إِنَّ فِي ثُبُوتِ ذِكْرِ الْوَجْهِ مَقَالًا، وَتَرَدَّدَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي صِحَّتِهِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ذِكْرُ الْوَجْهِ غَرِيبٌ وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ مَنْصُورٌ: وَلَا تُغَطُّوا وَجْهَهُ، وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: وَلَا تَكْشِفُوا وَجْهَهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ: وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ: وَلَا يُمَسُّ طِيبًا خَارِجَ رَأْسِهِ قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: خَارِجَ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِالتَّطَيُّبِ لَا بِالْكَشْفِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ رُوَاتُهُ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنَ التَّطَيُّبِ إِلَى التَّغْطِيَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الْحَيِّ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الَّذِي يَمُوتُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَتَحَقَّقُ وَجُودُهُ فِي غَيْرِهِ، فَيَكُونُ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ; وَلَوِ اسْتَمَرَّ بَقَاؤُهُ عَلَى إِحْرَامِهِ لَأُمِرَ بِقَضَاءِ مَنَاسِكِهِ، وَسَيَأْتِي تَرْجَمَةُ الْمُصَنِّفِ بِنَفْيِ ذلك.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ: لَوْ أُرِيدَ تَعْمِيمُ هذا الْحُكْمِ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ لَقَالَ: فَإِنَّ الْمُحْرِمَ كَمَا جَاءَ: إِنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ


(١) لفظ المتن"يبعث يهل "