الدِّلَاءُ، كُلُّ شَيْءٍ غِرْتَ فِيهِ فَهِيَ مَغَارَةٌ، مَاءٌ غَوْرٌ وَبِئْرٌ غَوْرٌ وَمِيَاهٌ غَوْرٌ بِمَنْزِلَةِ الزَّوْرِ، وَهَؤُلَاءِ زَوْرٌ وَهَؤُلَاءِ ضَيْفٌ وَمَعْنَاهُ أَضْيَافٌ وَزُوَّارٌ، لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلُ قَوْمٍ عَدْلٍ وَقَوْمٍ رِضًا وَمَقْنَعٌ) ثَبَتَ هَذَا عِنْدَ النَّسَفِيِّ هُنَا، وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ لِأَبِي نُعَيْمٍ، وَوَقَعَ أَكْثَرُهُ لِلْبَاقِينَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَهُوَ كَلَامُ الْفَرَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ مَاءٌ غَوْرٌ إِلَى وَمَقْنَعٌ، لَكِنْ قَالَ بَدَلَ بِئْرٍ غَوْرٍ مَاءٌ غَوْرٌ، وَزَادَ: وَلَا يَجْمَعُونَ غَوْرٌ وَلَا يُثَنُّونَهُ، وَالْبَاقِي سَوَاءٌ، وَأَمَّا أَوَّلُ الْكَلَامِ فَهُوَ مِنْ … (١) وَأَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَبِئْرِ مَيْمُونِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَكَانَتْ جَاهِلِيَّةٌ، قَالَ الْفَاكِهِيُّ: وَكَانَتْ آبَارُ مَكَّةَ تَغُورُ سِرَاعًا.
قَوْلُهُ: ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ) كَذَا لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَافَّاتٍ؛ بَسْطُ أَجْنِحَتِهُنَّ) سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ هُنَا، وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَنُفُورٍ الْكُفُورُ) وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ قَالَ: كُفُورٍ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ: وَنُفُورٍ تَفُورُ كَقِدْرٍ؛ أَيْ: بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: ﴿سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ﴾ قَالَ: وَهِيَ أَوْجَهُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَذَا أَوْلَى، وَمَا عَدَاهُ تَصْحِيفٌ، فإِنَّ تَفْسِيرَ نُفُورٍ بِالنُّونِ بِكُفُورٍ بَعِيدٌ. قُلْتُ: اسْتَبْعَدَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَعْنًى فَلَا يُفَسَّرُ بِالذَّاتِ، لَكِنْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْنَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يَلِجُّ فِي عُتُوِّهِ وَنُفُورِهِ هُوَ الْكَفُورُ.
٦٨ - سُورَةُ (ن وَالْقَلَمِ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَالَ قَتَادَةُ: حَرْدٍ جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَخَافَتُونَ؛ يَنْتَجُونَ السِّرَارَ وَالْكَلَامَ الْخَفِيَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنا لَضَالُّونَ؛ أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَالصَّرِيمِ؛ كالصُّبْحُ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ، وَهُوَ أَيْضًا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ الرَّمْلِ. وَالصَّرِيمُ أَيْضًا الْمَصْرُومُ، مِثْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ ﴿ن * وَالْقَلَمِ﴾ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) سَقَطَتْ سُورَةُ وَالْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَالْمَشْهُورُ فِي ن أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ أَوَائِلِ السُّوَرِ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَقَطِّعَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْفَرَّاءُ، وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْحُوتُ، وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ وَالْحُوتَ، قَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: كُلَّ شَيْءٍ كَائِنٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَرَأَ: ن وَالْقَلَمِ. فَالنُّونُ: الْحُوتُ، وَالْقَلَمُ: الْقَلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ قَتَادَةُ: حَرْدٍ؛ جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ) هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الِاجْتِهَادُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْأَمْرِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَضُبِطَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: كَانَتِ الْجَنَّةُ لِشَيْخٍ، وَكَانَ يُمْسِكُ قُوتَهُ سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَكَانَ بَنُوهُ يَنْهَوْنَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُمْ غَدَوْا عَلَيْهَا فَقَالُوا: لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ يَقُولُ: عَلَى جِدٍّ مِنْ أَمْرِهِمْ؛ قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ: عَلَى فَاقَةٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنَ الْحَبَشَةِ كَانَتْ لِأَبِيهِمْ جَنَّةٌ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ قَالَ: أَمْرٌ مُجْتَمِعٌ. وَقَدْ قِيلَ فِي حَرْدٍ إِنَّهَا اسْمُ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ اسْمُ قَرْيَتِهِمْ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِيهِ أَقْوَالًا أُخْرَى: الْقَصْدُ وَالْمَنْعُ وَالْغَضَبُ وَالْحِقْدُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَخَافَتُونَ؛ يَنْتَجُونَ السِّرَارَ وَالْكَلَامَ الْخَفِيِّ) ثَبَتَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ هُنَا، وَثَبَتَ
(١) بياض بأصله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute