وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ زَيْدٍ الْخَطَّابِيِّ نَزِيلِ حَرَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ زَادَ فِي آخِرِ الْمَتْنِ قَوْلَهُ فَتَمَسَّهَا النَّارُ أَبَدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، وَيَزِيدُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ بِالزَّايِ، وَعَبَايَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَأَبُو عَبْسٍ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ ابْنُ جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا اغْبَرَّتَا) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِالتَّثْنِيَةِ وَهُوَ لُغَةٌ، وَلِلْبَاقِينَ مَا اغْبَرَّتْ وَهُوَ الْأَفْصَحُ، زَادَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
وَقَوْلُهُ: فَتَمَسَّهُ النَّارُ بِالنَّصْبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَسَّ يَنْتَفِي بِوُجُودِ الْغُبَارِ الْمَذْكُورِ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ قَدْرِ التَّصَرُّفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ مَسِّ الْغُبَارِ لِلْقَدَمِ يُحَرِّمُ عَلَيْهَا النَّارَ فَكَيْفَ بِمَنْ سَعَى وَبَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَنْفَدَ وُسْعَهُ؟ وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ النَّارَ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْتَعْجِلِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ، قَالَ: فَتَوَاثَبَ النَّاسُ عَنْ دَوَابِّهِمْ، فَمَا رُؤِيَ أَكْثَرَ مَاشِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
١٧ - بَاب مَسْحِ الْغُبَارِ عَنْ الرَّأْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
٢٨١٢ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَأَتَيا وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ وَقَالَ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ الرَّأْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: تَرْجَمَ بِهَذَا وَبِالَّذِي بَعْدَهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ كَرَاهِيَةِ غَسْلِ الْغُبَارِ وَمَسْحِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ آثَارِ الْجِهَادِ كَمَا كَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ الْمَسْحَ بَعْدَ الْوُضُوءِ.
قُلْتُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّنْظِيفَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَالْغُبَارُ أَثَرُ الْجِهَادِ وَإِذَا انْقَضَى فَلَا مَعْنَى لِبَقَاءِ أَثَرِهِ.
وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَالْمَقْصُودُ بِهِ الصَّلَاةُ فَاسْتُحِبَّ بَقَاءُ أَثَرِهِ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فَافْتَرَقَ الْمَسْحَانِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ عَمَّارٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: وَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ.
١٨ - بَاب الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْغُبَارِ
٢٨١٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: هَاهُنَا وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.