للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حُكْمَ اللَّهِ وَقَالَ: إِنَّ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ الْجَلِيلَةِ، خَشْيَةَ أَنْ يَغْتَرَّ نَاقِصُ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَيَعْتَقِدَ صِحَّةَ ذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمَقْبُورَيْنِ فَقِيلَ كَانَا كَافِرَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ هَلَكَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَسَمِعَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ، قال أَبُو مُوسَى: هَذَا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى، وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ فَشَفَعَ لَهُمَا إِلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لَمْ يَدْعُ لَهُمَا بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ وَلَا تَرَجَّاهُ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَبَيَّنَهُ، يَعْنِي كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ. قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ أَخِيرًا هُوَ الْجَوَابُ، وَمَا طَالَبَ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ قَدْ حَصَلَ، وَلَا يَلْزَمُ التَّنْصِيصُ عَلَى لَفْظِ الْخُصُوصِيَّةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُوسَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ سَبَبُ التَّعْذِيبِ، فَهُوَ مِنْ تَخْلِيطِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِمَا كَافِرَيْنِ فِيهِ ظَاهِرٌ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِهِ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ فَانْتَفَى كَوْنُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ: مَنْ دَفَنْتُمُ الْيَوْمَ هَاهُنَا؟ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَقِيعَ مَقْبَرَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَتَوَلَّاهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ، وَيُقَوِّي كَوْنَهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَبَلَى وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلَّا فِي الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ فَهَذَا الْحَصْرُ يَنْفِي كَوْنَهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ عُذِّبَ عَلَى تَرْكِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِلَا خِلَافٍ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْبَوْلِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ الْوُجُوبَ بِوَقْتِ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٥٦ - بَاب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ وَقَالَ النَّبِيُّ لِصَاحِب الْقَبْرِ: كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ

٢١٧ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، قال: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ. وَقَالَ النَّبِيُّ لِصَاحِبِ الْقَبْرِ)؛ أَيْ: عَنْ صَاحِبِ الْقَبْرِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: اللَّامُ بِمَعْنَى لِأَجْلِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ) يُشِيرُ إِلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ)، قال ابْنُ بَطَّالٍ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ بَوْلُ النَّاسِ لَا بَوْلُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَوْلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ حَيْثُ قال: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ كُلِّهَا.

وَمُحَصَّلُ الرَّدِّ أَنَّ الْعُمُومَ فِي رِوَايَةِ مِنَ الْبَوْلِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ؛