للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خَاصٌّ بِهَذَا وَبِمَنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: هُنَا قَضِيَّتَانِ إِحْدَاهُمَا مُحَالٌ وَهِيَ اعْتِبَارُ طَاعَةِ الْكَافِرِ مَعَ كُفْرِهِ، لِأَنَّ شَرْطَ الطَّاعَةِ أَنْ تَقَعَ بِقَصْدٍ صَحِيحٍ، وَهَذَا مَفْقُودٌ مِنَ الْكَافِرِ. الثَّانِيَةُ إِثَابَةُ الْكَافِرِ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا لَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِتْقُ أَبِي لَهَبٍ لِثُوَيْبَةَ قُرْبَةً مُعْتَبَرَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ، وَالْمُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. قُلْتُ: وَتَتِمَّةُ هَذَا أَنْ يَقَعَ التَّفَضُّلُ الْمَذْكُورُ إِكْرَامًا لِمَنْ وَقَعَ مِنَ الْكَافِرِ الْبِرُّ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢١ - بَاب مَنْ قَالَ لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ

٥١٠٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: انْظُرْنَ ما إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ.

قَوْلُهُ (بَابُ مَنْ قَالَ لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ أَيِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِكُلٍّ مِنَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَرِيبٌ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَقْدِيرُ مُدَّةِ أَقَلِّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَإِلَى ذَلِكَ صَار أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ إِنَّ أَقْصَى الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةٌ تُوَافِقُ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنَّ مَنْزَعَهَمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةً يُدْمِنُ الطِّفْلُ فِيهَا عَلَى الْفِطَامِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُفْطَمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ عَلَى التَّدْرِيجِ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَاتٍ، فَلِلْأَيَّامِ الَّتِي يُحَاوَلُ فِيهَا فِطَامُهُ حُكْمُ الْحَوْلَيْنِ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قِيلَ يُغْتَفَرُ نِصْفُ سَنَةٍ، وَقِيلَ شَهْرَانِ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ، وَقِيلَ شَهْرٌ، وَقِيلَ لَا يُزَادُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ. وَقَالَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ يُوقِفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَعِنْدَهُمْ مَتَى وَقَعَ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَوِ ابْتَدَأَ الْوَضْعُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ جُبِرَ الْمُنْكَسِرُ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَالَ زُفَرُ: يَسْتَمِرُّ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إِذَا كَانَ يَجْتَزِئُ بِاللَّبَنِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِالطَّعَامِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَجْتَزِئُ بِاللَّبَنِ، وَحَكَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُفْطَمَ، فَمَتَى فُطِمَ وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَمَا رَضَعَ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا.

قَوْلُهُ (وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ) هَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي الْأَخْبَارِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَحْمَدَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ مَا زَادَ عَلَى الرَّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَعَنْ حَفْصَةَ كَذَلِكَ، وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا سَبْعُ رَضَعَاتٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا،